يعاني المقدسيون من سياسة عقابٍ فرديٍ وجماعي في آن ٍ واحد تتمثل بمنع الحركة والتنقل والسفر، ويرمي الاحتلال الإسرائيلي من وراء هذه السياسة، إلى التضييق على النشطاء المقدسيين شيوخاً وشباباً ونساءا، من خلال إصدار قرارات في غالبها لا تستند لأي مسوغ قانوني.
منع المقدسيين من السفر، عقوبة يفرضها الاحتلال على النشطاء ومن يقومون بفضح ممارساته والاحتجاج على انتهاكاته ومقاومته بالفعل أو الكلمة، وبالتالي فإن الإجراء يُراد منه ردع المقدسيين وخاصة المؤثرين منهم، وتجريدهم من حقوقهم الطبيعية، ومنعهم من توصيل رسالة القدس وأهلها في المؤتمرات والندوات الخارجية، خاصة وأن حكومة الاحتلال تريد إبقاء رقابتها على ما يتفوه به أي ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تخشى وصول الحقيقة بشكل مباشر.
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي والممنوع من السفر منذ سنوات عدة، يقول لـ “معراج” في هذا الصدد: “منع السفر” هو عقاب فردي ينطبق على الشخص الممنوع نتيجة لسلوكه ونشاطاته ومواقفه وتأثيره، وجماعي في ذات الوقت، فهذه الإجراءات لا تؤثر على الناشط وحده بل تشمل جميع أفراد عائلته ومحيطه الاجتماعي والذين سيتأثرون بشكل تلقائي بفعل تقييد حركته.
ويضيف: “المنع من السفر هو تقييد للمقدسي في مجالات عديدة أبرزها الاتصال مع العالم الخارجي كالدراسة أو السياحة مثلاً، أو المشاركة في الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات، أو تطوير أفق العمل والمهارات المهنية، ناهيك عن تأدية مناسك الحج والعمرة وغيرها.
ويشير الهدمي إلى أن الاحتلال يتخوف من أي اتصال للمقدسيين مع الخارج، خوفاً من أن يصب في خدمة “أمور تنظيمية” لا يستطيع الاطلاع أو السيطرة عليها، فطالما المقدسي المستهدف موجودٌ هنا أمام ناظريه، فإنه يستطيع التجسس على تحركاته ومكالماته وأحاديثه، ولكن بمجرد خروجه من البلاد، تصبح الدائرة أوسع والسيطرة أضعف إحكاما، لذلك تراه عند العودة يُخضعه لإجراءات تفتيش غاية في الدقة وبشكل مهين ومذل وفيها تخريب واضح، وي كأنه يبحث عن “خرم إبرة” يكون دليلاً يقوده إلى أي معلومة.
ويرى باحثون أن قرار “منع السفر” ينتهك أبسط حقوق الإنسان التي كفلها القانون الدولي الإنساني، وهي عملية ضغط إضافية على المقدسيين الهدف منها تخويف وإرهاب النشطاء والمؤثرين، ومحاولة ثنيهم عن معارضة إجراءاته المجحفة بحق القدس والمقدسيين، خوفاً من تقييد حريتهم في السفر والتحرك خارج البلاد حتى لأداء مناسك الحج والعمرة، وهذا بحد ذاته يعتبر إرهاب دولةٍ بكل معنى الكلمة.
وفي ذات السياق تقول المرابطة المقدسية هنادي الحلواني في حديثها لـ “معراج”، إن هذه القرارات الإدارية تصدر عادةً من أعلى سلطة، وبالتحديد من وزارة الداخلية الإسرائيلية والتي تمثلها اليوم “إييليت شاكيد” بالتعاون مع جهاز الشاباك، لافتتاً إلى أن مراجعة أو تقديم استئناف لأي قرار من هذا النوع لن يجدي نفعاً بالمطلق، لأن هذه السلطات تقدم للمحكمة ملفاً “سري” لا يستطيع أحد الاطلاع عليه، وتبرر به هذا القرار للقاضي الذي بدوره يرفض أي استئناف استنادًا للمعلومات التي جاءت في هذا الملف.
وأشارت إلى أن مبرر الاحتلال في كل مرة هو مبرر مصطنع لا يستطيع أحد مقاضاته أو مراجعته عليه تحت ما يسمى “دواعي أمنية”، لافتتًا أن سلطات الاحتلال تستند في هذه الممارسات إلى قانون الطوارئ الصادر عام 1948.
ولفتت الحلواني إلى أنها الامرأة المقدسية الوحيدة الممنوعة من السفر حالياً، مشيرةً إلى أن أول قرار منع سفر تم إصداره بحقها كان في عام 2015 واستمر لمدة 3 سنوات متواصلة، عبر تسليمها قرارات متتالية ومتلاحقة أقلها شهر وأكثرها 6 أشهر، ثم تلاه قرارات أخرى في 2020 ثم في عام 2021 والتي لا تزال سارية المفعول هذه اللحظة.
وحول سبل مواجهة هذه القرارات أوضحت المرابطة هنادي، أن اللجوء للمحاكم أمر لا جدوى منه لأن الحاكم والجلاد واحد، وإن أردنا إيصال رسالتنا التي يحاول الاحتلال حجبها فنحن نستطيع عبر الوسائل المتاحة بين أيدينا، لافتتاً إلى أنها تشارك بشكل مستمر في المؤتمرات والفعاليات والأنشطة الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية بحضورها الافتراضي عبر الانترنت دون الحاجة للسفر.
ونوهت الحلواني إلى أن محاربة الاحتلال في هذا الوقت وهو في قمة جبروته وقدرته، لصوت “إمرأة” يعني لنا الكثير ويؤكد لنا أننا لازلنا نملك الكثير من الأسلحة.
وفي ذات السياق تحدثت “معراج” أيضا مع المواطن المقدسي ناصر نوفل وهو أب لـ 4 أطفال يقطن في مخيم شعفاط ويعمل في مجال “العمارة والبناء”، تم استدعاءه للتحقيق أول أمس فور عودته من السفر من الأردن، وقال بدوره لـ “معراج”: “تم التحقيق معي بشكل غير رسمي فور وصولي إلى معبر الكرامة حول عدة أمور أبرزها الاستجواب حول وجود علاقات تربطني مع جهات خارجية، أو أشخاص وصفوهم بأنهم “إرهابيين”
وأوضح نوفل أن إيقافه لإجراء التحقيق الغير رسمي في معبر الكرامة، استمر لثلاثة ساعات متواصلة، تم احتجازه خلالها هو وطفليه الصغيرين اللذان كانا يرافقانه ومنعهما الاحتلال من المغادرة مع والدتهما وأخويهما الأكبر بسبب وجود أسمائهم على التصريح الخاص به لصغر سنهم.
وأضاف: “تم تسليمي أمر استدعاء لتحقيق رسمي في مركز الشرطة يوم غدٍ الثلاثاء”، مشيراً إلى أن مخابرات الاحتلال قامت بتوقيفه مسبقاً على معبر الكرامة على خلفية سفره عودة وإياب إلى الأردن في ذات اليوم.
وأشار نوفل إلى أن هذه الملاحقات التي تقوم بها سلطات الاحتلال تهدف للتضييق على المقدسيين في كافة مناحي حياتهم اليومية وفي حقوقهم الأساسية، لافتاً إلى أنها تتذرع دائماً بالملفات والدواعي الأمنية.
ومن واقع معاناته يقول نوفل إن سلطات الاحتلال لا تضييق على المقدسيين فقط في الحركة والسفر والتنقل، بل انها تسير وفق استراتيجيات ممنهجة تقضي بمحاربة المقدسيين في كل نواحي حياتهم كأرزاقهم وحقوقهم الأساسية في مستحقات العمل وأمور السكن والخدمات الصحية وغيرها، ناهيك عن طلباتها المرهقة المتعلقة بالاثباتات والأوراق والمستندات المختلفة.
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته، ولكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.