قال الباحث والمختص في الشأن المقدسي ناصر الهدمي في حديث خاص لـ “معراج”، اليوم السبت، يبدو أن كل معركة ومواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال تأتي بما هو جديد وتعبر عن تقدم في أسلوب إدارة هذه المواجهة من المقاومة الفلسطينية على الوجه الخصوص والتي تعتبر رأس حربة الشعب الفلسطيني وقدرة على تشتيت وإظهار ضعف الاحتلال بشكل واضح.
وأضاف الهدمي: “الاحتلال كان يظن أن هذه المعركة بالذات هو قادر على بدئها وإنهاءها بفصل الجهاد الإسلامي عن بقية فصائل المقاومة بما هو قريب من سيناريو ما حصل حينما تم اعتقال القيادي بسام السعدي في جنين، وحينها انتهت النتائج بإبرام اتفاق وقف إطلاق نار دون تحصيل نتائج على أرض الواقع والاحتلال نفذ ما كان يخطط له”.
وتابع: “في هذه المرة القضية مختلفة، ويبدو أن هناك اتفاق لتمضي الأمور بشكل استراتيجي يضعف موقف الاحتلال أولاً وينهكه على المدى المنظور للمعركة، فلا شك أن الاحتلال أُنهك نفسياً في اليوم الأول الذي لم يحمل رد، وكان يترقب دون أن يعرف ماذا يجري، وثانياً طريقة إدارة المعركة وتصعيدها بشكل مدروس بحيث أنه لا يعطي فرصة للاحتلال بأن يقوم بالإجرام في الشعب الفلسطيني، أي أنه أبقى الاحتلال يتخوف من خسائر بشكل أكبر مما يتوقع إذا ما أثخن في الفلسطينيين”.
وأكد على أن طريقة إدارة المعركة أفقدت الاحتلال القدرة على “تحقيق الإنجاز”، ومع أنه استطاع اغتيال 6 شخصيات من الجهاد الإسلامي، إلا أنه لم ينهي عبر اغتيالهم الجهاد الإسلامي أو المقاومة الفلسطينية أو الواقع الذي ينشأ الآن في كامل فلسطين، وعلى العكس بل إن عمليات الاغتيال تزيد من حالة الغليان للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية أيضاً.
وأوضح الهدمي أن كل هذه العناصر أظهرت قدرات المقاومة وأهمها ارتفاع مستوى “التخطيط الاستراتيجي والانضباط” وهذين العنصرين يعتبرا من أهم عناصر إدارة المعركة، وهذا الأمر بدوره أدى لإنهاك الاحتلال والذي نأمل أن ينعكس على أن يكون إنجاز المقاومة بشكل أكبر من المرات السابقة انجاز الاحتلال بشكل أقل.
وفيما يتعلق بارتباط هذه المواجهة العسكرية مع المقاومة الفلسطينية بالتصعيد الإسرائيلي في مدينة القدس على إثر مسيرة الأعلام، أشار الهدمي إلى أن الاحتلال حاول أن يبدأ المواجهة التي يتوقعها على إثر مسيرة الأعلام وينهيها في وقت مبكر قبل انطلاق هذه المسيرة بأسبوعٍ على الأقل، عندما يخرج الفلسطينيين منهكين من مواجهة عسكرية كبيرة يلملمون جراحهم، وإذا بالسحر ينقلب على الساحر ونجد اليوم أن الاحتلال هو من أُنهِك، وهو المعرض للتنازل مقابل الحفاظ على صورته وحكومته في ظل كل أزماتها.
ولفت الهدمي إلى أن شروط التهدئة التي تجري مباحثاتها الآن بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، يأتي في معرضها الحديث عن إلغاء “مسيرة الأعلام” أو تحجيم مسارها على أقل تقدير، وهناك دعم من الوسطاء لتمرير هذه الشروط لتحقيق تهدئة يهرول نحوها الاحتلال الآن، فسيرة الأعلام تواجه اليوم أكثر من عقبة وتنفيذها سيؤدي حتماً لتفجر الأمور.
وفي معرض حديثه لـ “معراج” أشار الهدمي إلى أن مسيرة الأعلام هي مسيرة رمزية الهدف الأساسي منها هو إظهار “سيادة وسيطرة” للاحتلال على مدينة القدس “يوم القدس” الذي تم إقراره على أساس توحيد مدينة القدس تحت السيادة الإسرائيلية، ولكن منذ اليوم الأول لإقرار هذه المسيرة لم تؤدي أهدافها ووظيفتها بشكل صحيح، فالاحتلال كان يضطر لأن يحول مدينة القدس لثكنة عسكرية عبر جلبه لآلاف جنود الاحتلال ليؤمٍّنوا فيما يدعوها “عاصمتهم” لمسيرة ينفذها أبناء العاصمة كما يدعون، وبالتالي فهي أثبتت العكس تماماً لوجود منازع قوي وحقيقي لهذه السيادة وهذه السيطرة.
وأكد الهدمي على ظهور نوعٌ من التحدي المتنامي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بين أبناء مدينة القدس من جهة، ودولة الاحتلال وجنوده من جهة أخرى، بما يتعلق بإقامة هذه المسيرة، وشدد على أن المقدسيون أخذوا على أنفسهم عهداً بعدم تمرير هذه المسيرة والتنغيص على المستوطنين في مسارها وعدم السماح لها بالمرور بأحياء البلدة القديمة أو الوصول لأبواب المسجد الأقصى المبارك، لكسر فكرة السيادة والسيطرة على المدينة المقدسة.
ونوّه الهدمي إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تعاني من “عقدة” الفشل في غالبية المواجهات مع الشعب الفلسطيني أبرزها “باب الرحمة”، “الخان الأحمر”، وهذه “العقدة” نتجت خلال فترة حكمها القصيرة إلى الآن، على الرغم من أن الجميع تخوف منها لوجود المتطرفين بن غفير وسموترتش ونتنياهو، واليوم التخوف الأكبر من فشل المواجهة في قضية “مسيرة الأعلام” لأن ذلك سيدلل بشكل لا شك فيه بأن هذه الحكومة “اليمينية الصافية” كما وصفها بن غفير، هي أضعف من أي حكومة يسارية سبقتها.