سور المسجد الأقصى المبارك
تصحبكم شبكة “معراج” المقدسية في جولة أسبوعية في المسجد الأقصى المبارك، عبر سلسلة من الحلقات للاستكشاف والبحث في تاريخ الأقصى المبارك، معالمه وأروقته، أبوابه ومصلياته، باحاته وقبابه، برفقة الباحث المقدسي رضوان عمرو، مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك.
نستكمل هذه السلسلة في الحديث عن أسوار المسجد الأقصى المبارك ومعالمها ومحاولات تدميرها، فلنتابع سوياً..
سور المسجد الأقصى المبارك، هو سور أثري تاريخي شاهق الارتفاع، يحيط بالمسجد الأقصى المبارك البالغة 144 دونما ويوصف بأنه آية في الجمال، له أربعة أركان وتعود أصول تحديدها وبناء مداميكه السفلية إلى عهود النبوة السابقة.
تعتبر أعلى نقطة ارتفاع في سور المسجد الأقصى تتجاوز 40 متراً وتقع في الزاوية الجنوبية الشرقية منه، والطول الإجمالي لسور المسجد الأقصى المبارك يصل إلى حوالي 1550 متراً تتوزع على أربعة أضلاع، 281 متراً في الضلع الجنوبي، و210 أمتار في الضلع الشمالي، و462 متراً في الضلع الشرقي و495 متراً في الضلع الغربي.
حجارة سور الأقصى
أعظم حجارة سور المسجد الأقصى المبارك حجماً يقع تقريباً في منتصف ضلعه الغربي في منطقة أسفل مئذنة السلسة إلى الشمال قليلاً، وتحديدا في المدماك الثاني من السور، وهذا أمر عجيب وملفت أن يقع أكبر حجر مرفوع إلى المدماك الثاني وليس في المدماك الأول، على عمق يقدر بحوالي 30 متراً من ساحة الأقصى المبلطة، ويتجاوز وزن هذا الحجر 600 طن، أي ما يعادل 600000 كيلو والذي يعادل 60 فيلاً إفريقياً، وتعتبر آلية قص هذا الحجر وتحريكه ورفعه للمدماك الثاني معجزةً بحد ذاتها فهو أثقل حجر حركته البشرية منذ فجر التاريخ وحتى القرن الماضي، ولا يعرف في أي موقع أثري آخر في العالم عن حجر في مثل هذه الضخامة بما فيها الأهرامات المصرية.
يأتي بعد هذا الحجر حجماً ووزناً حجارة عديدة تقع في سور المسجد الأقصى المبارك، منها ما هو موجود في المدماك الأول من الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، وفي الزاوية الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية من السور أيضاً، يتراوح وزنها من 60 – 80 طن تتميز بشدة صلابتها وتتواجد في المداميك الثالثة والرابعة والخامسة أيضاً في أركان المسجد الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربيةـ وهذه الحجارة الضخمة لم يطالها الهدم والتدمير على مدار تاريخ الأقصى المبارك، وتعود على وجه اليقين لحقب نبوية.
أبراج السور الدفاعية
يضم سور المسجد الأقصى المبارك 3 أبراج دفاعية ظاهرة فيه، لا زالت تستخدم لحراسة المسجد الأقصى حتى اليوم، يقع الأول منها في الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد، وتحديداً عند باب الأسباط وقد بني أيضاً من حجارة هائلة الحجم، ومؤخراً قامت شرطة الاحتلال بوضع كاميرات للمراقبة وأسلاك إلكترونية فوق هذا البرج، أما البرج الثاني فيقع فيقع في منتصف الضلع الشرقي للأقصى وتحديداً على سطح بابي الرحمة والتوبة، ولازال حراس المسجد الأقصى يستخدمونها حتى اليوم في الحراسة لأنه يكشف الضلع الشرقي والبرية الشرقية للمسجد كاملاً، بينما يقع البرج الثالث في منتصف الضلع الجنوبي ويسمى ببرج الختنية، وهذه الأبراج الثلاثة تتركز في الضلعين الشرقي والجنوبي لأنهما يطلان على برية.
أما حماية الضلع الشمالي والغربي للأقصى فكانت ترتكز على تواجد الحراس على الأبواب المفتوحة وعلى المآذن في وقت الحاجة، لأنهما يطلان على القدس القديمة وأحياءٍ سكنية وليس مناطق مفتوحة.
أنفاق سور الأقصى
يضم المسجد الأقصى 7 أنفاق ومنافذ صخرية مكتشفة تحت أضلاع سور الأربعة ويعتبرها البعض بأنها أنفاق سرية، صممت مع بناء المسجد الأقصى لتكون منافذاً لإمداد وتصريف المياه حتى لا تؤثر على أساساته، فيتم إنزالها باتجاه سلوان وآبارها وباتجاه وادي مريم وآباره شرقاً وبركة باب الأسباط شمالاً، والقنوات المائية المحفورة في الصخر غرباً، ولتكون أيضاً منافذاً للإمداد والتنقل بسرية في حال تعرض الأقصى لأي خطرٍ أو حصار.
تدمير سور الأقصى على مدار التاريخ
تعرض سور المسجد الأقصى المبارك في مداميكه المتوسطة والعليا للتدمير مراراً على مدار تاريخه بأيدي الغزاه، وتوالت أعمال ترميم وعمارة هذه السور عبر الحقب التوحيدية كافة لاهتمام المسلمين بعمارته وإبقاءه قائما ًفي هذه الأرض المباركة، وكانت أبرز التعميرات التي شهدها هذا السور في العهد الأموي بعد الفتح العمري، ثم في العهد العباسي والعهد الإخشيدي، ويدلل عليها النقوش المؤرخة في ناحية السور الشرقية الخارجية، كما توالت التجديدات في العهد الفاطمي والأيوبي .
بعد ذلك حدث تدمير لأسوار القدس وبقي الأقصى دون أسوار في الفترة المملوكية لكن الأقصى بقيت أسواره قائم، ثم جاء العهد العثماني وتم تجديد سور الأقصى كاملاً وإقامة المسننات الجميلة ومزاغل الرماية “الفتحات الطولية”، وتم تشذيب حجارته وتسوية ارتفاعه، إلى أن اكتسب شكله الحالي وظل قائماً بهذه الشكل حتى الآن.
لم يسلم سور المسجد الأقصى من الاعتداءات الصهيونية لدولة الاحتلال، فمنذ احتلال القدس عام 1967 تمنع السلطات الإسرائيلية ترميم سور الأقصى ما أدى لتصدعات خطيرة، وبالتحديد في ضلعه الشرقي والجنوبي، وقد حدثت اندفاعات في هذا السور نتيجةً لمنع الترميم.
بتاريخ 23 يوليو 2018 وقع أول إنذار خطير، تمثل باندفاع حجر من حجارة السور الغربي للأقصى بسرعة كبيرة وسقط على الأرض، وكان هذا الحجر يزن 100 كيلو، ثم توالت تساقطات الحجارة من أضلاعه الأربعة حتى تركز هذا التساقط خلال هذا العام من سور الأقصى الجنوبي فكان هناك عدة تساقطات موثقة تحديدا في برج الختنية وأسفل المصلى القبلي ومن الأعمدة التاريخية العظيمة عند بابي النبي، وكان ذلك بفعل حفريات الاحتلال أسفل السور وبفعل منع الترميم.
لازالت التصدعات ظاهرة في الجدار الجنوبي بشكل واضح جداً وأثرت أيضاً على المصلى المرواني، ولا زال الاحتلال يمنع ويوقف أية أعمال للترميم تقوم بها دائرة الأوقاف الإسلامية بداخل المسجد الأقصى وفي أسواره، وفي المقابل تقوم سلطات الاحتلال بادعاء قيامها بأعمال ترميم دون أي رقابة إسلامية تخللها استبدال حجارة وحقن مواد غريبة أيضاً في سور الأقصى، ناهيك عن إضافة ونقش رموز صهيونية غريبة معنيٌ بها الاحتلال وينبغي الالتفات لهذا الأمر والتحقيق فيه.