منذ ساعات الصباح الأولى لفجر اليوم الأحد التاسع والعشرين من مايو/أيار 2022، باتت مدينة القدس المحتلة ثكنةً عسكريةً ومربعاً أمنياً مغلقاً في سبيل فرض سيادةٍ مزعومة يطوقها الخوف والحذر والترقب، مشهدٌ إن دلّ على شيئ فإنما يدل على السيادة الحقيقة لأصحاب الأرض، للمرابطين الصامدين في ساحات المسجد الأقصى، وأن هذا الاحتلال مهما تجبرفلن تكون له سيادة على هذه الأرض ومقدساتها.
ساحات الأقصى وشوارع القدس المحتلة وأزقتها، شهدت عربدة سافرة وتحدٍ لمشاعر ملايين المسلمين، في سلوك عدواني سعى الاحتلال من خلاله لتثبيت حقائق جديدة على الأرض، وكسر القواعد التي فرضتها معركة سيف القدس، إضافةً لخلق ظروف متباينة، هدفها الاستفراد بالفلسطينيين في كل ساحة على حدا.
حالة من التخبط والخوف والنقاشات الداخلية الطويلة التي استمرت لأيامٍ وساعات، عاشها الاحتلال في ظل خلافات داخلية كبيرة حول جدوى مسيرة الأعلام، في ظل كشف المقاومة الفلسطينية أيضاً لنقاط ضعفه، والذي انعكس واضحا على سلوك قوات الاحتلال والاستنفار الكبير للجيش من أجل حماية تلك المسيرة.
ما يزيد عن 70 إصابة و50 حالة اعتقال وقعت خلال تصدي الفلسطينيين لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين واصلوا بكل عربدة استفزازاتهم بمدينة القدس المحتلة خلال احتفالاتهم بما يسمى يوم “توحيد القدس” والذين قدر عددهم 50 ألف مستوطن.
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي قال في حديثٍ خاص لـ “معراج”، إن الاحتلال حاول الإصرار على فرض أمر واقع في المسجد الأقصى المبارك ضارباً بعرض الحائط كافة المواثيق والاتفاقات الدولية، لكن الناظر إلى المشهد من بعيد يرى أن ما جرى اليوم هو معركة تحدي ومواجهة جديدة ومستمرة مع الاحتلال، ولم تنته مع مرور هذه الأحداث.
وأضاف الهدمي: “ربما انتصر نفتالي بينت على معارضيه في إثباته للمجتمع الصهيوني بأنه لا يرضخ لتهديدات المقاومة وأنه ينفذ ما يعد به، ولكنه لم ينتصر بالمطلق على الشعب الفلسطيني كون معركته أولا مع هذا الشعب لم تنته، وخاصةً فيما يتعلق بمبدأ “السيادة” وما جرى اليوم أثبت تمامًا أن السيادة الصهيونية على مدينة القدس ليست كاملة، والدليل على ذلك إضطراره لجلب كل هذه الأعداد الضخمة من قواته فقط لـ “تسيير مسيرة”.
وأوضح أن معركة سيف القدس غيرت عناصر ونتائج معادلة المواجهة في المدينة المقدسة، وأصبحت المقاومة الفلسطينية إحدى عناصر هذه المعادلة وليست جميعها، واليوم في هذه المعركة استخدم الشعب الفلسطيني العناصر التي أراد أن يستخدمها، ولم يستخدم العناصر التي لم يرد استخدمها، ولم يرضخ لإرادة الاحتلال لا في مدينة القدس ولا في قطاع غزة التي لربما أراد الاحتلال جره إلى مواجهة مفتوحة.
وأكد الهدمي على أن للمقاومة حساباتها وأولوياتها وهي التي تقرر الوقت المناسب للدخول في أي مواجهة، وليس الشارع المقدسي أو الشارع الفلسطيني، فهي التي تملك كافة المعلومات وهي التي ستدفع الثمن، ومن الظلم بمكان تدفيع أهلنا في قطاع غزة ثمن ما أسماه بـ “الدلع الثوري” الذي ربما يسيطرعلى أهالي الضفة الغربية.
وتابع: “ربما أرادت المقاومة الفلسطينية أن تعطي فرصة لهذا “الدلع الثوري” أن ينضج وأن يخرج من بوتقته وصولا لنضوج كامل للحالة الثورية في الضفة الغربية، ولم تقف هنا فحسب بل استخدمت أساليبها العسكرية والسياسية والتمويه من أجل محاولة منع هذه المسيرة”.