معراج – القدس
يعد حي الطالبية من الأحياء الراقية في القدس الغربية، حيث تعكس مبانيه القديمة ازدهار الطبقة الثرية المقدسية التي استقرت خارج أسوار البلدة القديمة.
ويتميز الحي بقصور حجرية تُبنى بأسلوب معماري يمزج بين الطرازين الإسلامي والحديث.
حي قائم قبل الحتلال
يقع حي الطالبية بالقرب من الطريق المؤدي إلى بيت لحم ومحطة القطار العثمانية، على بُعد كيلومتر واحد فقط من سور البلدة القديمة.
تأسس الحي بين عامي 1920 و1930 على أراضٍ تم شراؤها من بطريركية القدس للروم الأرثوذكس، ويحده من الشمال حي رحافيا اليهودي ومن الجنوب حي القطمون العربي.
كان سكانه الأوائل من أثرياء العرب المسيحيين، الذين قاموا ببناء منازل أنيقة بتصاميم تعكس فنون عصر النهضة، محاطة بالأشجار وحدائق الزهور.
بعد احتلال القدس، أطلق الاحتلال الإسرائيلي على الحي اسم “كوميميوت”، إلا أن السكان الأصليين رفضوا هذا الاسم وأصروا على تسميته “الطالبية”.
تعددت الروايات حول سبب تسمية الحي بهذا الاسم، فقيل إنه نسبة إلى الصحابي علي بن أبي طالب، أو لتأثره بمصطلح “التلبية في الحج” الذي تحوّر إلى “الطالبية”، أو بسبب ارتفاع الطلب على الأراضي في المنطقة بفضل موقعها الجمالي.
المعالم التاريخية
بيت حنا سلامة: بعد الحرب العالمية الأولى، اشترت عائلة سلامة الفلسطينية المقدسية الأرثوذكسية أرضًا في حي الطالبية من بطريركية الروم الأرثوذكس، بهدف إقامة حي راقٍ لمسيحيي الشرق الأوسط، بالإضافة إلى بناء فلل لتأجيرها للدبلوماسيين والأجانب في القدس.
وفي عام 1930، قامت العائلة ببناء فيلا وسط ميدان كان يحمل اسمها “سلامة”، قبل أن يُغير إلى “ميدان وينجيت” بعد تهويده. صممت فيلا سلامة بأسلوب زخرفي فني على يد مهندس معماري فرنسي، وقد أخذت شكل القنصلية الفرنسية. تم تأجيرها لاحقًا للقنصلية البلجيكية.
خسر العديد من سكان الطالبية العرب، بما فيهم عائلة سلامة، حقوقهم في ممتلكاتهم نتيجة لقانون أملاك الغائبين الذي أقرته إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي. وفيما بعد، تم الإعلان عن انتقال عائلة زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد للعيش في هذا العقار المسلوب.
بيت هارون الرشيد: تعد “فيلا هارون الرشيد” واحدة من أبرز المباني التاريخية في القدس، وهي تتكون من طابقين مبنيين من الحجر، مع واجهة مزخرفة بالأقواس والقناطر، وتحاوطها حديقة تشبه البستان. تم بناء هذا المبنى في عام 1926 على يد صاحبه حنا إبراهيم بشارات.
بعد تهجير سكانه، احتل ضباط سلاح الجو البريطاني الطابق الأول من الفيلا، ثم تم نقله سرًا إلى اليهود. قاموا بإزالة التسمية العربية “فيلا هارون الرشيد” التي كانت محفورة على لوحة رخامية فنية في أحد جدرانها الداخلية. فيما بعد، أصبحت الفيلا مقرًا لرئيسة وزراء الاحتلال غولدا مائير.
معالم أخرى: يتميز بيت عائلة طرشة ببوابته الحديدية المزخرفة بأعمال فنية نادرة، وقد تحول إلى مقر للقنصلية الإسبانية. بالقرب منه، يقع بيت عائلة سنونو المحاط بحديقة رائعة الجمال، بالإضافة إلى بيت واصف بشارات الذي يسكنه يهود حاليًا.
كما يوجد أيضًا بيت شكري الجمل، الذي تم الانتهاء من بنائه في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، ولكنه أُخرج منه، وبيت توفيق كنعان، مدير مستشفى البرص، الذي استخدم كفندق خلال فترة الانتداب البريطاني تحت اسم “فندق ياسمين”.
في الحي، يوجد أيضًا بيت إلياس الجلاد، الذي يتميز بألوان حجارته الحمراء والبيضاء ويشبه في تصميمه المعمار المملوكي.
وفي كتابه “أحياء القدس”، يذكر الباحث الإسرائيلي دافيد كروينكر أن الأحياء الفلسطينية، خاصة حي الطالبية، كانت مرغوبة بشدة من أساتذة الجامعة العبرية بعد النكبة، بسبب قربها من عمارة تيراسانطا التي استخدمت كمقر للجامعة في السنوات الأولى بعد النكبة.
أما شوارع حي الطالبية، فقد سميت بأسماء أجانب خدموا دولة الاحتلال، مثل شارع “وينغت” الذي سُمي على اسم الضابط البريطاني أورد تشارلز وينغت، الذي قام بتدريب العصابات الصهيونية، وشارع “ماركوس” الذي سُمي على اسم الضابط الأميركي ديفيد دانيال “ميكي” ماركوس، الذي ساعد القوات الإسرائيلية في حرب 1948.
يوجد أيضًا شارع “دزرائيلي” الذي سُمي على اسم رئيس الوزراء البريطاني السابق بنيامين دزرائيلي، وشارع “أوليفنت” الذي سُمي على اسم لورانس أوليفانت، الأديب والعميل البريطاني الذي كان عراب “خطة جلعاد” لتهويد القدس.
كما يوجد في الحي دير للرهبان الكابوتشون الإيطاليين، الذي تم احتلاله وتحويله إلى مستشفى للأمراض العقلية، ثم إلى معسكر، قبل أن يُعاد للرهبان مرة أخرى.
يعيش في حي الطالبية أكاديميون، مهنيون، ومهاجرون أغنياء من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى كبار المسؤولين والدبلوماسيين من الحكومات الأجنبية.
في الجانب الشرقي من الحي، توجد حديقة جرس الحرية وحديقة الطالبية (حديقة الورود) التي تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، والتي أُقيمت فيها فعاليات ما يُسمى “يوم الاستقلال” الإسرائيلي بعد إعلان قيام إسرائيل.
أما في الجانب الغربي من الحي، فهناك مؤسسات هامة، من بينها مسكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بالإضافة إلى أماكن ثقافية وأثرية مثل مسرح القدس ومتحف الآثار الإسلامية.