معراج – القدس
يُعد سوق العطارين من أعرق الأسواق التاريخية داخل أسوار البلدة القديمة في القدس، ويقع إلى الغرب من المسجد الأقصى
يتوسط السوق بين سوق خان الزيت وسوق الحصر، ويمتد بمحاذاة سوق اللحامين، مما يجعله السوق الأوسط ضمن ثلاثة أسواق متجاورة.
ويشكل سوق العطارين موقعاً تاريخياً يمتد جذوره إلى الحقبة الرومانية، حيث أُنشئ في تلك الفترة وأعيد إعماره خلال العهد الإسلامي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب.
وخضع السوق لتجديدات كبيرة في العصر الصليبي، حيث لا تزال معالم تلك الحقبة واضحة في سقفه المزخرف بأقواس تحمل نقوشاً وعبارات تشير إلى كنيسة سانت آن للروم الكاثوليك.
في العهد المملوكي استكمل بناء السوق، وأضفى عليه المماليك طابعا خاصا بالعطارة، وذلك لأنهم كانوا يتحكمون في التجارة العالمية التي كانت تمر عبر الهند والبحر الأحمر وخليج السويس، وصولا إلى ميناء بورسعيد ومن ثم إلى أوروبا، ولذلك اشتهر سوق العطارين ببيع العطور، وبرزت مصر معبرا رئيسيا لهذه التجارة، مما منح القدس نصيبها منها.
ويشغل السوق القسم الأوسط من شارع الكاردو التاريخي، الذي يعود إلى الحقبة الرومانية، وتبلغ مساحته حوالي 8 دونمات (أي ما يعادل ألف متر مربع لكل دونم)، ويضم أكثر من 56 دكاناً متراصة.
وقد اكتسب السوق تسميته من المنتجات التي تُباع فيه، مثل التوابل والأعشاب الطبيعية.
حصل سوق العطارين على اسمه بسبب ازدهار مهنة العطارة فيه، حيث كان التجار يجلبون مختلف أنواع التوابل من الهند والصين وبلاد فارس في ذلك الوقت.
كما عُرف السوق مع سوق اللحامين وسوق الخواجات باسم “السوق الثلاثي”، لكونها متجاورة، ويقع سوق العطارين في المنتصف، بينما يمتد سوق اللحامين إلى الغرب منه وسوق الخواجات إلى الشرق.
يحظى سوق العطارين بمكانة مميزة بين الناس لما يعكسه من عراقة تاريخية، حيث كان مركزاً لتجارة العطارة في الماضي. اعتاد الناس من مختلف البلدان التوافد إليه لتميزه في توفير الأعشاب والتوابل المستخدمة في علاج المرضى، في وقت كانت الأدوية نادرة.
تتسلل أشعة الشمس إلى السوق عبر فتحات في سقفه المقوس والعالي، مما يضفي عليه جمالاً بصرياً يلفت أنظار الزائرين.
“مضايقات مستمرة”
تفرض الجمعيات الاستيطانية سيطرتها على سطح سوق العطارين، حيث قامت بالاستيلاء على أحد منازل المقدسيين في المنطقة وحولته إلى كنيس.
كما أنشأت مستوطنة أطلقت عليها اسم “غاليتسيا”، تيمناً بمدينة في بولندا، وأصبح سقف السوق ممراً يستخدمه المستوطنون للتنقل بين مستوطنتهم المقامة فوق السوق والحي اليهودي المجاور.
يعاني تجار السوق الثلاثي من مضايقات متكررة يمارسها المستوطنون عبر الفتحات الجانبية والعلوية للسوق، في إطار محاولات دائمة لدفعهم إلى التخلي عن محلاتهم، مما يُسهل السيطرة عليها.
ورغم كل الإغراءات المالية الكبيرة التي يقدمها المستوطنون، لم يتمكن الاحتلال من الاستيلاء على سوق العطارين، إذ يصر التجار على التمسك بمحلاتهم ورفض بيعها.