بقلم/ أ.د. عماد عفيف الخطيب
بعض من أدبيات التاريخ ترجح أن مصطلح “العروبة” ظهر أثناء حكم الدولة العثمانية ليعكس الهوية الثقافية للشعوب التي تتحدث اللغة العربية والتي كانت جزءاً من الدولة العثمانية. وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية بدأ الغزو الاستعماري لتلك الشعوب، ما حمل الكتاب والمؤرخون إلى مقاومة الغزو الاستعماري الثقافي لمجتمعاتهم وذلك بتعزيز استخدام اللغة العربية في مؤلفاتهم الأدبية والثقافية والتاريخية لقناعتهم بأن حفظ اللغة العربية هو ما سيحافظ على الثقافة العربية أمام الغزاة.
ومع اشتداد الغزو الثقافي والاستعماري ظهر مصطلح “القومية العربية” كنهج مقاوم يسعى لتحرير الأرض من المحتل الغربي والصهيوني، ويعزز وحدة الشعوب العربية. وكانت فكرة القومية العربية أحد أسباب مبادرة جمهورية مصر العربية التي أطلقتها في العام 1942 ودعت من خلالها للوحدة العربية.
وفي العام 1945 تأسست “الجامعة العربية” كمنظمة إقليمية للدول الناطقة باللغة العربية، وخلال العقود التي تلت تأسيسها انضمت الدول العربية تباعاً للجامعة وكان آخرها دولة “جزر القمر” في العام 1993 ليصبح عدد أعضاء الجامعة اثنين وعشرين عضواً.
عقدت الجامعة العربية القمة العربية الأولى في العام 1946 بمدينة أنشاص بمصر وكان أول قرار اتخذته هو “التأكيد على أن القضية الفلسطينية هي في قلب القضايا القومية، والدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية لفلسطين”.
توالت القمم العربية وكانت فلسطين دوماً حاضرة، قبل وبعد النكبة، أو في النكسة وما بعدها، ومع بدء الألفية الثالثة عقدت الجامعة العربية قمتها في بيروت في آذار 2002 حيث تبنت مبادرة المملكة العربية السعودية التي أطلقها ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز ودعا خلالها إلى “انسحاب إسرائيل عن كامل الأراضي العربية المحتلة منذ 1967 وقبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل”.
وفي نيسان من العام 2018 عُقدت القمة العربية التاسعة والعشرون في الظهران، بعد تعذر عقدها في الإمارات العربية المتحدة.
أطلق العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على القمة “قمة القدس” مذكراً بأن “القضية الفلسطينية ستبقى قضية السعودية والعرب الأولى، ومعلناً رافضة لقرار الإدارة الأمريكية بشأن القدس”.
كانت “قمة القدس 2018” القمة العربية الأخيرة التي أظهرت شكلاً من أشكال “وحدة القرار” العربي والذي تفجر لاحقاً في قمة تونس في العام 2019 حين تمت الإشارة خلالها إلى بعضٍ من مظاهر التطبيع التي مارستها بعضاً من الدول الأعضاء. وبعد مضي أكثر من عام على قمة تونس وقّع عدد من الدول العربية على “اتفاقيات إبراهام” مع الكيان الإسرائيلي ما أظهر مؤشراً حياً لانفراط مسبحة “وحدة القرار العربي” بخصوص القضية الفلسطينية، والانفتاح على التطبيع “المجاني”.
يتحدث الإعلام الأمريكي والإسرائيلي هذه الأيام عن اختراق آخر كبير في مسار التطبيع وتحديداً مع المملكة العربية السعودية. واليوم ظهر أن ما كان يجري في الكواليس بدأ يخرج إلى العلن. وما نخشاه هو أن يكون التطبيع “مجانياً” لصالح إسرائيل، وباهظ الثمن للدول الساعية للتطبيع.
خرج عن المؤتمر الصهيوني العالمي بنسخته الثامنة والثلاثين (2020) مجموعة قرارات خاصة بما يسمى “ببرنامج القدس”. وفي سياق مسار التطبيع مع الدول العربية، قرر المؤتمر البدء بحوار جدي والعمل على استعادة حقوق 850 ألف يهودي طُرِدوا من دول عربية قبل مئات السنين. أما الزمن فهو وحده من سيجيب عن السؤال: كم سيكون ثمن “التطبيع” مع إسرائيل؟