في الخامس عشر من أغسطس لعام 1929 خرج الصهاينة في مسيرة حاشدة، جابت شوارع القدس، ووصلت إلى حائط البراق، حيث تجرؤوا هناك وأعلنوا أن الحائط لهم، ووجهوا عبارات مسيئة للعرب وللفلسطينيين، كما غنوا النشيد الوطني لدولة الاحتلال، واعتدوا على بعض المقدسيين الذين تواجدوا في طريقهم، ما أثار غضبا واسعًا في فلسطين وباقي الدول العربية.
في اليوم التالي صادف ذكرى المولد النبوي ويوم الجمعة حيث احتشد آلاف المواطنين في المسجد الأقصى المبارك، وبعد خطبة حماسية انتفض المسلمون ونظموا مسيرة حاشدة مضادة، وخاضوا مواجهات مع عصابات الصهاينة، ثم امتدت الثورة إلى باقي مدن فلسطين، حيث خاض القائد المجاهد فرحان السعدي هجمات مسلحة ضد المستوطنين في جنين، كما لعب المقدسي محمد أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى دورا بارزًا في شحن عزائم الأهالي للثورة.
كانت بريطانيا الحاكمة في ذلك الوقت تحت مسمى انتداب، إلا أنها تحيزت بشكل واضح للجانب الصهيوني، وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الفلسطينيين ومن هب لنصرتهم من العرب، وفضت الثورة بالقوة المفرطة، وقدمت نحو 1000 فلسطيني وعربي للمحاكمة، وحكمت على 27 منهم بالإعدام، ثم خففت عن 24 منهم إلى السجن المؤبد فيما أعدمت ثلاثة شبان اعتبرتهم من أوجه الثورة البارزة وهم: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، فيما أسفرت الثورة عن مقتل 133 صهيونيا وجرح 339 آخرين، في حين ارتقى 116 فلسطينيا وعربيا وجرح 232 آخرين.
محاولات فاشلة
نائب رئيس أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات، أكد في حديث خاص لـ معراج أن الاحتلال منذ بداية تأسيسه على يد العصابات الصهيونية حاول مرات عديدة السيطرة على الأقصى أو أجزاء منه، وكانت أولى محاولاته الحقيقية قبل يوم من ثورة البراق حين حاول الصهاينة السيطرة على الحائط، إلا أنهم صدموا بردة فعل الفلسطينيين القوية التي تمخضت عن ثورة انفجرت في وجوههم.
وكشف بكيرات أن الاحتلال يحاول السيطرة الكاملة على الأقصى، قائلا: “الاحتلال يريد أن يحقق الحلم الصهيوني وذلك الخيال الذي رسمه في كتاب أحلام اليقظة، لإنهاء الوجود الفلسطيني بالمسجد الأقصى المبارك”.
وبين أن محاولات السيطرة على الأقصى استمرت على مدار السنين منذ ثورة البراق حتى يومنا هذا، ولعل أبزر تلك المحاولات حادثة إحراق المسجد المبارك على يد المتطرف أسترالي الجنسية روهان عام 1969.
صمود مقدسي
وبعد 94 عام على ثورة البراق المباركة، والتي ضرب فيها المقدسيون أروع الأمثلة في التصدي للاحتلال والدفاع والذود عن المقدسات، ما زال المقدسيون يدافعون عن مسجدهم المبارك في ظل هجمات الصهاينة المتواصلة عليه ومحاولاتهم المستمرة للسيطرة على أجزاء منه.
وأكد الشيخ بكيرات أن المقدسي لا يمكن هزيمته إن تعلق الأمر بدفاعه عن مقدساته فهو يستميت من أجل حمايتها ولا يقبل الذل والهوان والاستسلام أو المساومة خاصة على المسجد الأقصى المبارك.
وتابع: “الأقصى سيمر ببضع سنوات عجاف، إلا أننا مؤمنون أن 100 عام من الفشل الصهيوني لن يتحقق في هذه السنوات القليلة القادمة، وكلنا أمل أن النصر قادم -بإذن الله-“.