زينة مبهجة بهية لها رونق خاص تملئ البلدة القديمة بحاراتها وأزقتها وشوارعها، حبال زينةٍ مضيئةٍ، وفوانيس ومصابيح تكتسي بها مداخل المسجد الأقصى المبارك وأبوابه، لافتات ترحيب بالوافدين هنا وهناك، فعاليات واستعدادات ومخططات وأجواء احتفالية تدق أجراس البهجة إيذاناً ببدء العد التنازلي لقدوم شهر رمضان المبارك.
من حارة السعدية، إلى طريق الواد، وبباب السلسة وباب حطة، وغيرها من الحارات والأزقة، تعم أجواء احتفالية ساحرة، تنتشر بها الإضاءات الملونة التي تعلّق في كل حدبٍ وصوب، لتشكل لوحة فنية فريدة.
للمدينة المقدسة في شهر رمضان المبارك أجواء خاصة وحلةٌ جديدة تظهر بها وكأنها تحفة فنية في غاية الجمال والبهاء والروعة، تجذب كل من يزورها، وتشكل بها أيقونة وطنية واجتماعية للمقدسيين، رُغم أنف الاحتلال وإجراءاته للتضييق على الفلسطينيين الوافدين عبر محاولات فرض سيطرته وهيمنته عليها.
الناشط المقدسي ماهر الصوص يقول في حديثٍ خاص لـ “معراج”، مع دنو شهر رمضان المبارك يقوم أهالي البلدة القديمة بتزيين الأزقة والحارات وتنظيفها بالماء، ويكون ذلك على نفقة أهل كل حارة وبجهود شبابها التطوعية، حتى تنصبغ بصبغة رمضان بالأهلة والفوانيس والزينة الجميلة واللافتات الدعوية والأدعية التي توحي بروحانية هذا الشهر.
ويضيف، أما على صعيد المسجد الأقصى فقد درجت العادة على أن يكون هناك تنسيق ما بين حارات القدس لتولي مسؤولية تزيين وتطييب وتجميل أحد أبواب المسجد الأقصى، كما أنها تكون مسؤولة على تنظيف إحدى زوايا المسجد وتولي شؤونها بعد الإفطار وبعد صلاة التراويح بجهود شبابها.
وأشار الناشط الصوص إلى أن شباب القدس يتولون أيضاً بشكل منسق له عملية تسهيل وصول المغتربين للمدينة ومسجدها، عبر جولات الإرشاد إلى أماكن الوضوء وأماكن الصلاة، والحيلولة دون عملية الخلط ما بين الرجال والنساء عبر إنشاء ممرات خاصة لكل منهما، وتيسير عملية المبيت للمغتربين كذلك إما في المسجد أو في البيوت لمن تنقطع بهم السبل، لافتاً إلى أن جميع هذه الأعمال تكون دون جهة مسؤولة وبشكل تطوعي اعتاد عليه أهالي البلدة القديمة في شهر رمضان من كل عام.
وأوضح الصوص إلى أن المسجد الأقصى لا يخلو خلال شهر رمضان المبارك من أجواء الإفطارات الجماعية في باحاته والسحور الجماعي كذلك، لافتاً إلى أن هذه الإفطارات تقوم عليها جمعيات ومؤسسات خيرية وأفراد متبرعون من خارج الوطن وداخله يرجون الأجر والثواب، ويتم التنسيق لها عبر إحضار الطعام على شكل وجبات جاهزة ويتم مدها على شكل موائد في الساحات المفتوحة ودعوة الناس لها.
وحول منغصات الاحتلال في وأد هذه المظاهر التي تضفي للمدينة هوية إسلامية يقول الصوص، يحاول الاحتلال التنغيص والتضييق على الشباب المقدسيين خلال قيامهم بكل هذه الأعمال من تزيين وتنسيق وتنظيف ولكن دأبنا كمقدسيين أن نتجنب استفزاز قواته على الأبواب وفي الساحات في هذه الأيام المباركة لننعم بالطمأنينة ونؤدي شعائرنا الإسلامية دون قيود أو حجج واهية قد يحاول الاحتلال اختلاقها.
ويؤكد الصوص أنه ومن المعروف أن بلدية الاحتلال تحاول المساهمة في تزيين بعض أبواب الأقصى كالعامود والساهرة والأسباط، لإظهار نفسها على أنها صاحب السيادة على المدينة المقدسة، وأنها مثال إيجابي وحضاري للتعايش بين الأديان وتحديداً في شهر رمضان المبارك، عبر مراعاتها لمشاعر الشعب الفلسطيني، من خلال تعليق الزينة.
ومن مظاهر التنغيص والمضايقات يشير الصوص إلى قيام شرطة الاحتلال بتفتيش وجبات الطعام التي يتم إدخالها للمصلين على أبواب الأقصى وملاحقة الشباب الفاعلين في أي أنشطة دينية أو وطنية يقومون بها كحلقات الأهازيج الشعبية والجلسات على أعتاب باب العامود وغيرها.
وعلى الصعيد الأخر، وفي ظل هذه الأجواء الروحانية المبهجة، لازال الاحتلال يحرم عشرات المرابطين والمرابطات من رؤيتها أو حتى الاقتراب منها مهدداً إياهم بالاعتقال والتنكيل والملاحقة وفرض الغرامات المالية وغيرها.
وبتنهيدة عميقة تقول المرابطة المقدسية هنادي الحلواني لـ “معراج”، هذا العام الثامن على التوالي الذي يحرمني الاحتلال فيه من معايشة هذه الأجواء الروحانية والمبهجة في باحات الأقصى وعلى أبوابه، وأتابع بكل شوق وحرقة هذه المظاهر على صفحات التواصل الاجتماعي
وتضيف الحلواني، “هناك تطورات كبيرة وفعاليات وأنشطة جديدة منذ عدة سنوات اعتاد عليها المرابطين والمصلين في رمضان أنا لم أعهدها بعد، وينتابني شعور حسرة لعدم استطاعتي أن أواكبها أو أجاريها كـ “الاعتكاف العلمي” -موائد العلم الليلية- التي يتم تنظيمها عقب صلاة التراويح إلى صلاة الفجر، وكخيام الرباط والاعتكاف التي ينصبها المرابطين في باحات الأقصى كذلك، كل هذه الأمور باتت جديدة عليّ وأنا بعيدة عن الأقصى”.
وتشير الحلواني إلى أنه وفي كل عام يتسابق ويتنافس أهالي البلدة القديمة، أي الأبواب هو الأجمل هذا العام؟ لتوليهم أمور تزيينها وتجميلها خلال الشهر الفضيل، وكل عام يكون هناك تميز وجمال خاص لأحد هذه الأبواب بطريقة تزيين فريدة، مؤكدةً أن رؤية مظاهر الزينة هذه أيضاً باتت محرمة عليها في بعض المناطق كمنطقة باب السلسلة مثلاً فوجودها في تلك المنطقة يعرضها للاعتقال والتوقيف على الفور.
وتتابع: “نسعى دائماً لإظهار الثبات أولاً تحدياً لهذا الاحتلال الذي لم ولن يستطع أن يكسر شوكتنا، وثانياً لتثبيت من يثبتون بثباتنا وإسنادهم وإظهار بأننا دائماً في المكان وسنبقى فيه، فتجدني أتواجد دائماً في طريق المجاهدين الذي اشتهرت صوري فيه وأنا أقلب “المقلوبة” في موائده في رمضان، لأنني لا أتعرض للمسائلة أو الاعتقال فيه ويمكنني التواجد فيه كأقرب نقطةٍ للمسجد الأقصى”.