بقلم: وليد الهودلي
بادئ ذي بدء، ابن غفير لم يدرس التاريخ لا قريبه ولا بعيده، لم يدرس ماذا مثّلت القدس والمسجد الأقصى على وجه التحديد للعرب والمسلمين، لم يدرس لماذا صلى رسول الله بالأنبياء في المسجد الأقصى، ولم يدرك لماذا فتح المسلمون القدس أيام عمر، وبالتأكيد لم يقرأ العهدة العمرية أو أنه لم يسمع بها بتاتًا، ولم يقرأ بعد سقوط القدس بيد الصليبيين، وماذا مثّل غياب القدس عن الحاضنة الإسلامية، وكيف عُدّ هذا تحدّيًا كبيرًا استنهض كل القوى الكامنة في الأمة، وكان لذلك الأثر العظيم في تحريرها من أيدي الصليبيين، ولم يقرأ بن غفير عن ثورة البراق، ولم يقرأ عن تداعيات الأحداث بعد إحراقهم الأقصى عام 1969، ولم يسمع بتداعيات مجزرتهم في الأقصى عام 1990، ولم يتابع الأحداث التي تلت اقتحام شارون للأقصى وتفجر الأوضاع عام 2000، بن غفير لا يعرف ولا يقرأ ويصمّ أذنيه، ويعمي بصره، ولا يرى إلا أن يكرر الصلف والغطرسة بما يجرّ عليهم ما لا تحمد عقباه.
ابن غفير لا يقرأ إلا أساطير قديمة لا أساس لها ولا قرار، ولا يقرأ إلا إن هناك قوة تملك إنفاذ ما يتفتّق عن عقليته الفذّة، هذه العقلية التي تملك أن تتصرف بما يحلو لها، وعلى قوة الدولة التي ينتمي إليها أن تنفّذ ما يريده، وهو الآن ينتقل إلى دائرة صنع القرار فما الذي يمنعه من الوصول إلى كلّ ما يريد.
بن غفير لا يرى أن هناك شعبًا فلسطينيًا موجودًا على أرضه، وله جذور عريقة تربطه بهذه الأرض، وأن له تاريخًا وواقعًا ومستقبلًا، لا يرى أبدًا في الفلسطيني إلا أنه زائد على هذه الأرض، لا يحق له البقاء فيها وإن بقي منهم فإنهم خدم وعبيد أو أيادٍ عاملة يمنون عليهم أن شغّلوهم عندهم وأتاحوا لهم فرصة البقاء أحياء.
ابن غفير عينه على الضفة وتضخيم حجم الاستيطان فيها، وهذا ليس دأبه فحسب وإنما دأب التشكيلات الحكومية التي سبقت بن غفير، ولكن يختلفون قليلًا في الطريقة، ودرجة الوقاحة، والقدرة على إخفاء وجهها القبيح، وبالتالي تسويقها عالميًا بعد فرضها بالقوة على الفلسطينيين.
ابن غفير واضح ومكشوف، منذر حرب ومسعّر نارها، وهذا دليل على الطبيعة الصهيونية التي رضيت لنفسها أن تستوطن وطنَ غيرِها، هو صورة واضحة لمن ارتكبوا جريمة التطهير العرقي لمئات المدن والقرى الفلسطينية فقتلوا وهجّروا أهلها منها وتركوها خاوية على عروشها أو بنوا مدنهم وقراهم على أنقاضها.
ابن غفير يسير على خطى من ارتكبوا المجازر، وأنزلوا على شعبنا كلّ أحقادهم السوداء وعدوانهم المرّ وسامونا سوء العذاب.
ابن غفير لم يرَ ولم يسمع عاقبة كلّ من تطرّف وتوحّش وظلم وتجبّر، لا يقرأ الواقع بطريقة صحيحة، ولا يرى أن الشعب الفلسطيني لا يمرّ عليه العدوان بسلام، بل ما يزال يمتلك الردّ القاسي، وما تزال هناك نار عظيمة تحت الرماد.