بقلم: وليد الهودلي
لم يكن دهس الشابين الاخوين محمد ومهند امطير على قارعة الطريق بدعا من الامر، بل جاء في سياق احتلال قد دام دهسه للحياة الفلسطينية والنخوة العربية والاسلامية بكلّ تفاصيلها مذ أقام كيانه على فلسطيننا.
المشهد البشع للشخصية المجرمة التي يتلخّص فيها ويتكثّف الحقد الصهيوني فيخرج للناس مشهد الدهس الفظيع هو ذات المشهد الذي داهم فيه كرامتنا منذ أعلن عن اصابة الاسير ناصر ابو حميد بمرض السرطان ويظلّ المشهد مستمرا بعملية دهس متكاملة الاركان الى أن تتمّ الجريمة وترتقي روح الشهيد ناصر.
هو ذات الدهس القائم بشكل دائم في “مدفن الاحياء” حيث ما يسمّى مشفى الرملة، سجن محكم الاغلاق بالحديد والنار وقسوة القمع وفن اتقان الموت المبرمج لمن وقع في براثن المرض واضطر للنقل من سجنه الى حيث مكان الموت باشدّ الطرق واقساها، هناك في مدفن الاحياء .. تدهس مشاعر الانسان مع آلامه العضوية والنفسية، تدهس مع أمله في الحياة ونيل الحريّة، مع كل ما يحيك في صدره من كرامة انسانية وتوق لأن يكمل حياته حرّا طليقا بين أهله وذويه.
هو ذات الدهس الذي وقع تحت عجلاته الغليظة كلّ من استشهد نتيجة الاهمال الطبّي المبرمج، منذ رزق العرعير ومحمد ابو هدوان مرورا بميسرة ابو حمدية وفارس بارود وبسام السايح والقائمة طويلة، تمّ دهسهم من قبل ماكينة العذاب القائمة في السجون الاسرائيلية.
هو ذات الدهس الذي فُعّل على الحياة الفلسطينية سنة ٤٨، أحالت ماكينة الدهس هذه الحياة الفلسطينية الى شذر مذر، مئات المجازر المباشرة مثل دير ياسين والدوايمة والطنطورة وقبية … الخ، قتلت من قتلت وشرّدت من شرّدت ودهست بيوتا وقرى ومدنا كانت قائمة فيها حياة وبشر فاصبحت اطلالا جاهزة لاقامة مدنهم على أنقاضها.
هو ذات الدهس الذي طارد الفلسطينيين في المنافي والشتات، دهسونا في لبنان مرارا وتكرارا، عدا عن المجازر هناك مثل صبرا وشاتيلا وقانا وغير ذلك كثير، وفي غزة فعّلوا ماكينة الدهس والقتل كثيرا، … العدوان تلو العدوان، وفي الضفّة نرى بأمّ أعيننا الدهس باشكال متعدّدة نتيجتها واحدة عجلات الموت تأكل الاخضر واليابس وتصعد فيها الارواح الى بارئها.
هو ذات الدهس للحقوق الفلسطينية فالاقتصاد الاسرائيلي يكبّل ويلحق به الاقتصاد الفلسطيني على قاعدة الداهس والمدهوس، سيطروا على مفاصل الحياة الفلسطينية، الارض والطرق والحدود والمياه ويحاولون بكل غطرسة وعنجهية السيطرة على المقدّسات وبسط نفوذهم على المناهج الفلسطينية في القدس ودهس قيم الحرية والكرامة كي لا تبقي في الفلسطيني شيئا سوى الانسان الخادم لهذا الاحتلال الغاشم.
هو ذات الدهس السياسي للحالة السياسية التي أنتجت اتفاقية اوسلو وحالة التلاعب بين الحكومات المتعاقبة في التعامل مع الفلسطيني المفاوض على قاعدة الدهس المتعمّد لكل التطلعات السياسية الفلسطيني.
دهسوا الامل في اقامة الدولة، دهسوا الافق السياسي وسحقوه ليخفضوا سقفه الى أدنى حدّ ممكن، دهسوا كلّ الاوهام التي قامت على مبادىء التعايش السلمي وقبول فكرة وجود دولة لليهود في المنطقة، وقد تكون هذه ضارّة نافعة إذ بدّدت افكار الحلّ السلمي للصراع مع هذه الجبلّة النكدة من البشر.
ومع كل هذا، لا بدّ وأن نؤكد على أن الفلسطيني يستعصي على سياسة الدهس هذه، وأنه يعرف كيف يحافظ على كرامته وينتصر لحريّته، فالمزيد من الغطرسة والتوحّش والدهس هو الوقود الكافي لتفجير الطاقات الكامنة في الشعب الفلسطيني، الذي لن يستكين ابدا، وهذا الاجرام يزيده صلابة وعنفوانا وقدرة عالية على ردّ الصاع صاعين.