تشهد عمليات المقاومة المسلحة في القدس والضفة الغربية المحتلتين تطورا نوعيا خلال الفترة الأخيرة، مع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في الأقصى والامعان في القتل الممنهج للفلسطينيين والاعتقالات والمداهمة اليومية، والإمعان كذلك في سياسة الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وتزامنا مع ما يجري تسود حالة من الخوف والقلق لدى الاحتلال الإسرائيلي من تصاعد المواجهات في مدينة القدس المحتلة، وضياع حالة الردع الإسرائيلي.
ويرى باحثون أن مستقبل المقاومة في القدس والضفة يشهد تصاعدا كبيرا مع تقدم الوقت، لأن أركان هذا العمل المقاوم قائم على مواجهة العدوان والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والمتصاعدة، وأن جزءا كبيرا من الأجيال الفلسطينية الشابة غير مؤدلجة بأديولوجيات تقليدية، وإنما تقوم بفعل مقاوم من منطلقات وطنية وكرد فعل على جرائم الاحتلال، وهذه الأجيال لم تنجح معها كل عمليات كي وتغييب الوعي المستمرة.
رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري قال في حديثٍ خاص لـ “معراج”، إن الاحتلال هو الاحتلال يستهدف الإنسان والحجر والشجر، وبعد أن استولى عسكريا على البلاد بدأ بتهويد مدينة القدس عبر حصارها وعزلها والتقييد على المقدسيين في عدة مجالات أبرزها الاقتصاد والتعليم والصحة، مؤكداً أن كل ذلك لم يفت من عضد القدسيين واستمروا في مقاومتهم، وكلما بطش الاحتلال عليهم كلما ازدادوا صلابة وتمسكاً بحقهم.
وأضاف عكرمة صبري: “الاحتلال امتلك معاول هدم كثيرة للإنسان المقدسي ولمقدراته أيضاً، ولكن الوعي القوى لدى المقدسيين وقف سداً منيعا أمام كل محاولاته الهدامة الهادفة للنيل من الفلسطينيين والسيطرة على القدس”، مشددا على أن هذا الأمر لا يعفي العالم العربي والإسلامي من مسؤوليته تجاه مدينة القدس وحمايتها والدفاع عنها.
وأشار الشيخ صبري إلى أن اليهود يسعون جاهدين لتحقيق اعتداء جديد على المقدسات الإسلامية في كل مرة تسمح لهم الفرصة بذلك، وفترة الأعياد اليهودية في كل عام تعتبر فرصة لهم لفرض واقع جديد وتجاوز جديد في المسجد الأقصى، وهذا ما تابعناه في الأيام القليلة الماضية من محاولات تمرير ممارسة طقوس تلمودية جديدة في باحات الأقصى، لكن المقدسي كعادته وقف في وجه كل اعتداء وكل انتهاك وقاوم بكفه وبرباطه وبتكبيراته وبعينه التي لم تغفل قط عن مقدساته.
وعلى صعيد آخر يقول مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري لـ”معراج”، لربما استطاع الاحتلال تهويد أجزاء كبيرة من مدينة القدس جغرافياً، لكن المعيق الكبير الذي يقف في وجه جمع مخططاتهم الاستيطانية والتهويدية هو الوجود الفلسطيني الذي يمثل “العامل الديموغرافي” والذي تم استهدافه بشتى أنواع المخططات منذ سنوات عديدة لكنها لم تفلح.
الاحتلال استهدف الوجود الديموغرافي في القدس من عدة نواحي، أهمها الناحية الاقتصادية التي انعكست على تردي الوضع الاقتصادي للمقدسيين وإرهاقهم بالعديد من الضرائب والمخالفات المالية التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلي سيطرة الاحتلال على عقاراتهم باسم القانون، وهو ما ينعكس سلبا ويهدد وجود المواطن المقدسي على أرضه.
لم تقف مخططات الاحتلال بالسيطرة على القدس عند هذا الشأن فحسب، بل يتهدد المقدسيين اليوم أمرين خطيرين، الأول ويتمثل بإلغاء إقامات وسحب هويات ما يقارب 120- 130 ألف مواطن مقدسي، بحجة تطبيق ما يسمى بقانون “مركز الحياة”، وبموجب هذا القانون يُحرم هؤلاء المقدسيين من “الهوية الزرقاء” بحجة أن مركز حياتهم خارج إطار حدود البلدية “بلدية الاحتلال”، الأمر الذي ينطبق على عدد كبير من المقدسيين من سكان بلدة الرام مثلا أو مخيم قلنديا أو مخيم عناتا وهكذا.
وتابع: “الأمر الآخر يتمثل بتطبيق ما يسمى بـ “قانون الولاء” الذي نفذ قبل ذلك بحق عدد من النواب المقدسيين الذين ينتمون لحركة “حماس”، عبر سحب هوياتهم بذريعة عدم الولاء لدولة الاحتلال، وهذا الأمر غاية في الخطورة فهذا الأمر يتهدد اليوم كافة المقدسيين، فالأمر البديهي أنه لا ولاء لأي احتلال على وجه الأرض”، مؤكداً أن سحب الهويات أو الإقامات تحت ذريعة أيٍ من هذين القانونين، هو بمثابة فقدان لكافة الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن مقدسي يحمل هذه الهوية الأمر الذي سيؤدي لخسارة أملاكه وسيطرة الاحتلال عليها تحت ذريعة قانون “حارس أملاك الغائبين”.
وأكد الحموري أن أمام كل هذا نرى اليوم التمسك المقدسي والهبات المقدسية التي جاءت نتيجة لكل هذه الهجمات، نشهد تحركا ووعيا مقدسيا متصاعد يفاجئ العالم بدأ بسلسلة من الأحداث منذ 2015 حينما وقعت حادثة حرق الفتى أبو خضير وتلاها هبة البوابات الالكترونية ثم باب الرحمة والشيخ جراح وباب العامود، لتعيد القضية الفلسطينية إلى الصدارة بعد الانتكاسة التي شهدتها تزامناً مع موجة التطبيع العربية، على يد جيل جديد من الشباب المقدسي الذي راهن الاحتلال وسعى لتغييب وعيهم.
ويشير رئيس هيئة الدفاع عن أراضي القدس بسام بحر، لـ “معراج” أن التوسع الاستيطاني الذي يستهدف الوجود الديموغرافي الفلسطيني يتم بشكل متسارع جداً بمدينة القدس، فبناء أي وحدة استيطانية لا يحتاج سوى لبعض ساعات أو دقائق للمصادقة واتخاذ القرار بشأن البدء الفعلي بتنفيذ هذه المشاريع، وعلى الوجه الآخر نجد أن المواطن المقدسي يحتاج لأشهر وسنوات طويلة ومبالغ مالية طائلة ليستطيع البناء أو حتى الترميم في منزله في ذات المدينة.
وشدد بحر على أن الاحتلال حاول في السنوات الأخيرة القضاء بشكل كامل على الهوية الفلسطينية عبر إشغال المقدسيين في الأمور الحياتية اليومية التي تسببت بها الضغوطات والتشديدات اليومية وافتعال الأزمات بشكل مستمر، لافتاً إلى أنه ورغم ذلك بقي الرهان الأكبر والأقوى على الوعي المقدسي الذي يفاجئ العالم في كل مواجهة ومعركة حقيقية جديدة مع الاحتلال.
ونوه بحر إلى أن قيام دولة الاحتلال على المنظومة الأمنية يجعلها تعمل في كافة النواحي، الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها لاستهداف الوجود الفلسطيني بكل مكوناته، ومثال على ذلك استهداف المجتمع المقدسي بظاهرة انتشار المخدرات واستهداف التجار بالضرائب المخالفات اليومية، واستهداف المنظومة التعليمية أيضا بتحريف المناهج الدراسية وغيرها من المخططات الهادفة لضرب وإضعاف الوجود الفلسطيني ولكن رغم ذلك تجد أن المعادلة تنقلب في كل مرة ضد المحتل، ويوما بعد يوم يزداد الرهان قوة على وعي الأجيال الجديدة.