مع استمرار تصدي المقدسيين ورباطهم وحمايتهم للمسجد الأقصى المبارك كانت سلطات الاحتلال تفرز قرارات عنصرية لا قانونية، تنصّ على إبعاد المقدسي عن مسجده ومدينته، وعزله عن قضيته من خلال حبسٍ منزلي، تفترض حكومة الاحتلال أنه سيجرده من وطنيته ومقدسيته.
سياسة الإبعاد التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي، هدفت في أساسها إلى ردع وتنكيل وتنغيص حياة المقدسي، والسيطرة على القيادات الشعبية التي تظهر في العاصمة المقدسة وعزلها، عبر اعتقلها داخل بيوتها بدلًا من السجون، بحيث يعزلها عن الحدث في النقاط المشتعلة، كالمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العامود وغيرها.
قرارات الإبعاد الإسرائيلية جاءت لتطال المقدسيين على اختلاف نشاطهم، فطالت أسرى محررين، ومرابطين ومرابطات وحرّاسٍ في المسجد الأقصى، ولم يسلم منها سياسيون وأئمة وكبار عماء القدس، حيث أصدرت سلطات الاحتلال بحقهم عدة قرارات إبعاد منذ احتلال القدس عام 1967.
الأهداف والأبعاد السياسية
خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الدكتور عكرمة صبري، قال في حديثٍ خاص لـ “معراج”، إن سياسة الإبعاد عن أماكن العبادة هي سياسة احتلالية غير قانونية وغير مبررة وهدف الاحتلال من خلالها إلى تفريغ الأقصى من المسلمين ودب الرعب في قلوب المصلين خوفاً من أن تطالهم هذه القرارات وبالتالي ينأون عن الأقصى ولا يعارضوا اقتحاماته وكل المخططات التي تستهدف وجوده مؤكداً أن هذه السياسة فشلت في تحقيق غاياتها ولم تزد المقدسيين إلا تمسكاً ورباطاً وتعلقاً بالأقصى المبارك.
وطالب الشيخ عكرمة المسلمين عامةً والفلسطينيين خاصة بمواجهة هذه السياسة الظالمة عبر شد الرحال إلى المسجد الأقصى وعدم إقرارها بالمطلق، داعياً المبعدين إلى ضرورة البقاء على تواصل دائم مع الأقصى وعدم الاستسلام واليأس ومحاولة الصلاة في أقرب نقطة من الأقصى يتمكن من الصلاة فيها، والعودة إلى محراب الأقصى وباحاته فور انقضاء مدة إبعاده.
سبل المواجهة وواقعها
ومن جانبها قالت المرابطة المقدسية زينة عمرو لـ “معراج”، إن رباط المقدسيين داخل باحات الأقصى كان وما زال يشكل عثرة أمام تنفيذ الاحتلال لمشاريعه داخل الأقصى، فبدأ على إثر ذلك بالتخطيط لمسلسل من الإبعادات الجماعية بحق المرابطين والمرابطات في الأقصى، ولم تقف عند هذا الحد فحسب بل طالت أيضاً موظفي دائرة الأوقاف فتم إبعادهم لشهور طويلة.
وأشارت المرابطة عمرو إلى خطورة هذه السياسة قائلة: “من واقع تجربةٍ خضناها مراتٍ ومرات أؤكد لكم أن هذه السياسة ذات أثر نفسي كبير، فإنما هي تقصي الشخص عن الجزء الأهم في حياته والذي يرى نفسه أنه يعيش لأجله، ورغم أننا ذقنا مرارات الاحتلال الكثيرة من الاعتقال والتنكيل ولكن لم نجد أكثر قسوة وإيلاماً من أثر قرارات الإبعاد عن الأقصى على أنفسنا”.
وأكدت عمرو أن هناك ضعف مجتمعي ومؤسساتي ورسمي شديد في دعم ومساندة المبعدين عن الأقصى ولا يليق بحجم ومستوى الخطر الذي يتهدد الأقصى من خلال تفريغه من النشطاء والمرابطين، داعيةً إلى وجوب أن يكون هناك حملات وهبات تقوم على رفض واستنكار كل قرارات الإبعاد التي يصدرها الاحتلال.
وتابعت: “قمنا نحن المرابطات بشكل شخصي عندما تلقت مجموعة منّا قرارات إبعاد عن الأقصى باتخاد قرار بألا نبرح الأقصى، ووقفنا عند بواباته أياماً وشهوراً في البرد والحر، وشكلنا ضغطا كبيراً على أبواب الأقصى على هذا المحتل، وشهد العالم بأسره صور التنكيل بنا، وشكلنا حالة من الوعي وكشفنا المستور من انتهاكات تدور في ساحات الأقصى، نقلتها عدسات الكاميرات للعالم عندما كنا أكثر إصرارًا على الثبات ولم نعد أدراجنا”.
ولفتت عمرو إلى أنه ورغم استمرار هذه السياسة المتنامية ومتابعتنا للمئات من قرارت الإبعاد التي تصدر بين الحين والآخر والتي طالت أيضاً موظفين كبار في دائرة الأوقاف، لم نجد حراكً ذاتياً ولم نشهد حتى تشكيل تجمع أو اتحاد لهؤلاء المبعدين ليشكل ضغطاً على الاحتلال.
وشددت على أن الحق ينتزع انتزاعاً موجهةً رسالة لكل من أبعد ظلماً وجوراً عن الأقصى وعلى رأسهم المرجعيات الدينية الكبيرة أن عليهم التمسك بهذا الحق واستدراك القصور الواضح في دورهم، والسعي لتشكيل قرارات جماعية واتحادات أو منظمات ضاغطة على المحتل تصدح بلسانهم وتشكل عنصر ردعٍ يجعل الاحتلال يفكر مراراً قبل إصدار أي قرار إبعاد بحق أي مقدسي.
الأبعاد القانونية
المجتمع الدولي رفض هذه السياسة التي تستهدف بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين عبر إبعادهم عن أرضهم وأسرهم، واعتبره إجراء غير قانوني؛ وظهر ذلك من خلال العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي المنددة والتي أدانت طرد إسرائيل مئات الفلسطينيين من مدنهم وبلداتهم، عبر انتهاكها للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال.
وحول الخلفية القانونية التي يستند عليها الاحتلال في إصداره لقرارات الإبعاد بحق المقدسيين، أكد المحامي المختص بشؤون القدس خالد زبارقة لـ “معراج”، أن هذه القرارات ليست لها أي خلفية قانونية إنما خلفيات سياسية، وإنما يستعمل الاحتلال قانون الطوارئ وقانون الشرطة عبر استصدار أوامر إدارية وليست قضائية، ولم تعقد أي جلسات قضائية في المحاكم ليعرض عليها هذا الملف ويتم تدوله، وإنما ما يصدر هو قرارات إدارية تحكمها نزوات قيادة الشرطة والمخابرات الإسرائيلية.
وأوضح زبارقة أن المقدسيين يرفضون التعامل مع جهاز المحاكم الإسرائيلي في أي قضايا تخص المسجد الأقصى المبارك بالمطلق، لأن هذا الجهاز لا يمثل سوا الاحتلال والمقدسيون بموقفهم الوطني والديني الذي تم الإعلان عنه منذ احتلال القدس وحتى هذه الأيام يتبنون هذا الموقف القاضي بعدم جواز التوجه للقضاء الإسرائيلي في أي شيء يخص المسجد الأقصى المبارك.
وأضاف زبارقة: “الاحتلال يسعى لسحب قضايا المسجد الأقصى المبارك إلى “مشرحة” القضاء الإسرائيلي، ظنناً منه أن ذلك يمكن أن يعطيه شرعية أو “سيادة” على شؤون المسجد الأقصى المبارك عبر امتلاكه لأحقية اصدار القرار في كل ما يتعلق بشؤون هذا المسجد، وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر اعتداء على قدسية الأقصى وعلى دور المملكة الأردنية بصفتها صاحبة الوصاية عليه”.