معراج – القدس
تتواجد أرض “الجتسمانية” في منطقة وادي قدرون الممتدة على أربعة كيلومترات مربعة بين القدس وجبل الزيتون، حيث أُقيمت عليها كنائس “الجتسمانية” أو “الجثمانية”، وكنيستا “كل الأمم” و”مريم المجدلية”، بالإضافة إلى دير القديس ستيفان للروم الأرثوذكس.
تعود ملكية أرض الجتسمانية، التي تعني “معصرة الزيت” في اللغة الآرامية، إلى القديسة حنة، جدة مريم أم المسيح عليه السلام. وقد كانت هذه الأرض مكانًا متكررًا لتواجد المسيح وتلاميذه، حيث كانوا يجلسون بالقرب من المعصرة التي اختفت آثارها بسبب العوامل الطبيعية، وفقًا للروايات.
وبحسب الأرشمندريت ميلاتيوس بصل، تُعتبر هذه الأرض مكان الخيانة في التاريخ المسيحي، إذ صلى المسيح صلاته الأخيرة فيها قبل أن يُخَون من قبل يهوذا الإسخريوطي، أحد تلاميذه، الذي سلّمه إلى رئيس الكهنة اليهود ليُقتل، وذلك بعد العشاء الأخير.
توجد في الجتسمانية ثلاث كنائس، إحداها تحمل اسم الأرض نفسها، وتحتوي على قبر السيدة مريم عليها السلام والأيقونة العجائبية التي تروي قصتها، وهو حدث ذو أهمية كبيرة لدى المسيحيين. وفقًا للأرشمندريت بصل، يظهر الملاك في هذا المكان لوالدة المسيح ليخبرها بأنها ستنتقل إلى الأمجاد السماوية بعد ثلاثة أيام، ويعطيها زنبقة كعلامة لذلك، لتعود بعدها إلى منزلها في “تلة صهيون”. وبعد انتقال روحها إلى السماء، نقل التلاميذ جثمانها لدفنه في صخرة ضمن أملاكها في الجتسمانية.

في حوالي عام 337 ميلادية، شيدت القديسة هيلانة الكنيسة على طراز البازيليك، بتصميم طويل يتوسطه قبة تحاكي شكل الصليب، لتصبح بذلك ثالث أهم وجهة للحجاج المسيحيين إلى الأراضي المقدسة بعد كنيستي القيامة والمهد.
وفي عيد العذراء، تقيم الطوائف المسيحية خيامًا في ساحة الكنيسة وتضيء الشموع على جانبي الدرج المؤدي إلى جناح مغارتين لقبر القديس واكيم والقديسة حنة للروم الأرثوذكس، بالإضافة إلى جناح آخر يضم قبر يوسف الخطيب للأرمن.
الدرج يقود إلى قبر السيدة مريم، وفي عيد الصليب، تُشعل النيران في إشارة تقليدية تعود إلى زمن القديسة هيلانة، التي أنشأت 228 كنيسة في فلسطين التاريخية.
من كنيسة الجتسمانية صعودًا، نجد بستانًا يحتوي على ثماني أشجار زيتون رومية. وإلى الجهة اليسرى، تم بناء كنيسة “كل الأمم” بين عامي 1920 و1924 على موقع ثلاث كنائس قديمة هي: “النزاع”، “البيزنطية”، و”الصليبية”. تحتوي الكنيسة على صخرتين هما صخرة النزاع وصخرة صلاة يسوع، التي تذكرنا بصلاة السيد المسيح وآلامه المقدسة، حيث نزل عرقه كقطرات دم متخثرة على الصخرة. وقد أُطلق على الكنيسة اسم “كل الأمم” بسبب تبرعات عدد من الأمم التي ساهمت في بناء القباب الاثني عشر في سقفها.
وتُعد كنيسة “مريم المجدلية” واحدة من أجمل الكنائس في مدينة القدس، وهي كنيسة روسية أرثوذكسية تقع في قلب منحدر جبل الزيتون. تتميز بقبابها السبع المذهبة، ويعلو كل قبة صليب أرثوذكسي روسي طويل. عند مدخل الكنيسة، توجد فسيفساء دائرية زرقاء اللون تُظهر مريم المجدلية، التي يُقال إنها رمت بحزامها المقدس إلى التلاميذ في هذا المكان. كما تزين واجهة الكنيسة الحجر الرملي الأبيض المنحوت، مما يضفي عليها جمالًا خاصًا يميزها عن باقي الكنائس.

الأرض لم تسلم من الاحتلال
تواجه أرض الجتسمانية خطر المصادرة، إذ تقع ضمن مخطط “القدس الكبرى” الذي يواصل الاحتلال تنفيذه. وحسب الأرشمندريت بصل، أغلق الاحتلال المدخل الرئيسي للكنيسة بالإسمنت بدعوى أنه متهدم، تاركًا خلفه بقايا لوحة فسيفسائية وبعض الآثار المحطمة في المكان. كما تمنع سلطة الآثار الإسرائيلية الكنيسة من إجراء أي عمليات ترميم دون وجود طواقمها في الموقع.
يتراوح عدد الحجاج المسيحيين الذين يزورون الأراضي المقدسة سنويًا بين مليون وثلاثة ملايين حاج، ما يعكس تراجعًا ملحوظًا في هذا العدد، خصوصًا بعد زيادة الحواجز “الإسرائيلية” في المدينة.