معراج – القدس
تعد عين سلوان من أبرز المعالم المائية في القدس، وتقع في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، على مسافة 300 متر تقريبًا من سور الحرم القدسي.
توجد العين في الجهة الغربية لوادي قدرون، أسفل تلة المسجد الأقصى، وتعتبر من أقدم وأهم مصادر المياه في تاريخ المدينة.
العين الكنعانية
عين سلوان، المعروفة أيضًا بعين جيحون أو عين أم الدرج أو عين العذراء، من أبرز عيون المياه في مدينة القدس.
ووفقًا للباحثين، فقد حفر الكنعانيون قناة عين سلوان قبل 3 آلاف عام، بطول 533 مترًا، وظلت طوال العصور مصدرًا رئيسيًا للمياه في المدينة، حيث كانت تستخدم في تزويد المنازل بالماء وسقي المواشي والزراعة. وكان أهل المدينة يتناوبون على العناية بها وتنظيفها، إلى أن أصبح الاحتلال الإسرائيلي يسيطر عليها بشكل كامل.
تشير العديد من الدراسات إلى أنه قبيل الحصار المتوقع للقدس على يد الآشوريين بقيادة سنحاريب في القرن الثامن قبل الميلاد، أمر الملك حزقيا بحفر قناة بديلة (نفق) لنقل المياه من عين “جيحون”.
تم اكتشاف نفق حزقيا في عام 1838م على يد المستكشف إدوارد روبنسون خلال فترة الحكم العثماني للقدس. ورغم أن النفق كان معروفًا لأهل القدس وسلوان، إلا أن هذا التاريخ يشير إلى اكتشافه من قبل المستكشفين الغربيين.
وقد تم تصميم هذه القناة لتوجيه المياه إلى بركة سلوان (أم الدرج) بدلاً من السماح لها بالخروج إلى القنوات الخارجية التي كانت تروي البساتين خارج أسوار المدينة. وبهذا الشكل، كان الملك حزقيا يهدف إلى حرمان الجنود الآشوريين من الحصول على المياه أثناء حصارهم للقدس.
وفي عام 1880م، وبعد 42 عامًا من اكتشاف النفق، عثر فتى يهودي كان يسبح في بركة سلوان على بُعد مسافة قصيرة من المدخل على نقش داخل النفق.
وقد اعتبره بعض الباحثين نقشًا يخلد لحظة التقاء مجموعتي الحفارين في وسط النفق بعد أن عملوا في اتجاهين متقابلين بسبب ضيق الوقت.
وفقًا لما نقله هرمان غوته من الجمعية الألمانية لدراسة فلسطين في عام 1891م، والذي يُنسب إليه دراسة هذا الاكتشاف، فإن النقش تم اقتلاعه من الجدار في عام 1890م على يد فلاحين بعد أن أمرهم أحد الوجهاء الفلسطينيين بذلك.
وعند محاولة سرقة النقش، تكسر الحجر إلى 6 أو 7 قطع. وبعد اختفاء النقش الأصلي، وصلت الأخبار إلى متصرف القدس العثماني، الذي أمر بالبحث عنه. وبعد جهد، تم العثور على مكان النقش، إلى جانب اكتشاف نقش مزيف مطابق له.
قصص تُعظم قداسة العين
تعد عين سلوان أول وقف إسلامي خارج جزيرة العرب في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وبعده قام صلاح الدين الأيوبي بتخصيص القرية ومرافقها، بما في ذلك العين، لمصلحة “المدرسة الصلاحية” الواقعة عند باب الأسباط شمال البلدة القديمة.
وكانت أعمال ترميم مرافق العين تُنفّذ على نفقة أوقاف هذه المدرسة. وقد ارتبطت العين بالعديد من الروايات الشعبية التي تعكس أهميتها الطبيعية والتاريخية والأثرية، مما يعكس ارتباط أهالي القدس العميق بها.
ورد في كتاب “فضائل بيت المقدس” رواية شعبية تشير إلى أن أحدهم رمى دلوا في عين ماء زمزم، فانتقل إلى عين سلوان، مما يقال إن مياه العينين واحدة. تعكس هذه الرواية الشعبية ارتباط الناس العميق بالمكان وأهميته في الذاكرة الثقافية والدينية.
تغنى الشاعر العربي أبو العلاء المعري بعين سلوان في قوله:
“وبعين سلوان التي في مائها
طعم يوهم أنه من زمزم”
وتروي إحدى القصص أن مريم العذراء قامت بغسل ثياب المسيح عليه السلام في مياه عين سلوان، وأن هذه العين شهدت معجزة أخرى عندما أعاد المسيح بصر أعمى بعدما غسل وجهه بمائها.
كما يتداول سكان القدس العديد من الحكايات حول قدسية مياه العين. ففي السبعينيات من القرن العشرين، كانت النساء يعتقدن أن الاغتسال بمياهها يساعد على تسريع الحمل.
يمتد مسار العين عبر منطقة مرتفعة شمال سلوان، والمعروفة بـ “العين الفوقا” أو عين أم الدرج، بسبب وجود درجات تؤدي إليها. تنساب المياه عبر نفق صخري ضيق يمتد 533 مترًا حتى تصل إلى بركة سلوان الأثرية، المجاورة لجامع العين، والتي تحتوي على أعمدة تُعد بقايا كنيسة بيزنطية.
من بركة سلوان، تمتد المياه لمسافة 107 أمتار حتى تصل إلى البركة التحتانية، المعروفة أيضًا بالبركة الحمراء.
العين والاحتلال
في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، منع الاحتلال الأوقاف الإسلامية من تعيين حارس للعين، كما قام بتجفيف مياه البركة التحتانية. وفي بداية التسعينيات، أعلن الاحتلال عن مناقصة لإدارة العين وما حولها من معالم أثرية، وهي ما يُسمى بـ “مدينة داود”.
استحوذت على هذه المعالم جمعية “إلعاد” الاستيطانية الصهيونية، التي سعت لتحويل عين سلوان إلى مسبح وملهى استيطاني للأطفال الإسرائيليين. كما تروج الجمعية بأنها هي “عين جيحون” المذكورة في التوراة، رغم عدم وجود أي إثباتات تدعم أن هذه العين تقع في هذا الموقع.
وفي سياق محاولات الاحتلال السيطرة على المكان، تم افتتاح شبكة من الأنفاق ومركز للزوار في محيط العين، حيث يتم من خلاله الترويج لرواية الاحتلال حول الموقع. في المقابل، حُرم أهالي سلوان من دخول العين إلا بتذكرة قيمتها 7.5 دولارات.
أصبحت عين سلوان جزءًا من مشاريع استيطانية ضخمة تهدف إلى جذب السياحة الداخلية والخارجية، حيث يتم تسويقها كمعلم سياحي جذاب ضمن خطط الاحتلال الرامية لفرض السيطرة على المنطقة وتعزيز الوجود الاستيطاني في القدس.