معراج – القدس
تعود معظم المساجد التاريخية الباقية في القدس إلى الفترتين الأيوبية والمملوكية، حيث كان للسلطان صلاح الدين الأيوبي وابن أخيه الملك المعظم عيسى بن محمد بن أيوب دور بارز في إنشاء المساجد وترميمها.
وخلال العهد المملوكي، شهدت البلاد نهضة عمرانية ملحوظة في بناء المساجد وإعادة تأهيل القديمة منها. وكان من أبرز قادة المماليك الذين أسهموا في هذه الحركة العمرانية السلطان الظاهر بيبرس والسلطان الناصر محمد بن قلاوون.
ومن بين تلك المعالم الأثرية البارزة، يبرز مسجد ولي الله محارب، وهو مسجد صغير يعود تاريخه إلى العصر الأيوبي، مما يجعله شاهدًا حيًا على تلك الحقبة التاريخية في فلسطين.
المكان والبناء التاريخي
يقع مسجد ولي الله محارب عند تقاطع طريقي باب السلسلة وسوق الباشورة، عند مدخل الزقاق المؤدي جنوبًا إلى حارة الشرف وحارة المغاربة.
يُنسب المسجد إلى ولي الله محارب، الذي قام بتشييده في شهر ربيع الأول من عام 595هـ/ يناير 1199م، وهو ما تؤكده الكتابة المنقوشة فوق مدخله.
على مر السنين، تعرض المسجد لمحاولات لطمس النقش الذي يوثق تأسيسه وأوقافه، خاصة حتى منتصف القرن العشرين. إلا أن إصرار السكان المحيطين على ترميمه أعاد النقش إلى الواجهة، ليظل شاهدًا على تاريخه العريق.
ونص النقش على ما يلي “بسم الله الرحمن الرحيم إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ، أمر بعمارة هذا المسجد المبارك العبد الفقير الراجي رحمة ربه محمد بن محارب، ثم أوقف على هذا المسجد ثلاثة حوانيت من قبيليه، حدها من القبلة إلى قيسارية النصارى، ومن الشرق الطريق، وفيه يفتح أبوابهم، ومن الشام المسجد ومن الغرب إلى القيسارية وقف على الإمام والمؤذن، وبيت المكان وحصره وقفا صحيحا شرعيا في العشر الأول من ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمس مائة”.
يذكر النقش المذكور أن مؤسس المسجد قد وقف عليه ثلاث دكاكين، إلا أن بعضًا من هذه الأوقاف تم مصادرتها من قبل السلطات “الإسرائيلية” بسبب قربها من حارة اليهود، وذلك بعد إجراء أعمال الترميم وكشف النقش.
المسجد ذو المحراب الجميل
يتكون مسجد ولي الله محارب من غرفة صغيرة للصلاة ذات شكل مستطيل، يتميز بعرض ضيق ومحراب جميل، وسقف مغطى بقبو نصف برميلي. تبلغ مساحته 14 مترًا مربعًا، بينما يصل طوله الداخلي إلى 6.5 متر، وعرضه 2 متر.
يحتوي المسجد على مدخل معقود ونافذة صغيرة تطلان على الشارع الرئيسي. ولا يوجد له مئذنة، وأرضيته مبلطة بالرخام. يستوعب المسجد حوالي 10 مصلين، ويتميز بمحراب صغير. كما يوجد خارج المسجد حجر منقوش عليه تاريخ تأسيسه، ويطل هذا الحجر على الشارع الذي يعرف اليوم بحارة اليهود.
الهجمات على المسجد
يتعرض مسجد ولي الله محارب بشكل مستمر لتهديدات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، خاصة من قبل شركة تطوير الحي اليهودي الاستيطانية التي تسعى منذ نهاية السبعينات إلى الاستيلاء على المسجد.
كما يقوم المستوطنون المتطرفون بشكل دوري باستفزاز مشاعر المسلمين، حيث قاموا بتعطيل الإضاءة الخارجية ومكبر الصوت في المسجد، مما اضطر القائمين عليه إلى ربط الأذان مع مسجد البازار المجاور، المعروف أيضًا بمسجد عثمان بن عفان.
في مواجهة هذه التحديات، تواصل مجموعة من النشطاء المقدسيين مع تجار القدس وجمعوا التبرعات، وتمكنوا من الحصول على إذن من دائرة الأوقاف الإسلامية للترميم. وبفضل جهودهم، تم في عام 2014 إجراء عملية ترميم شاملة للمسجد، شملت إصلاح الإضاءة الداخلية وربط المسجد بالكهرباء، بالإضافة إلى فتح حلقة لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم فيه.