معراج -القدس
يقع مخيم شعفاط شمال مدينة القدس، على بُعد 5 كيلومترات، بين قريتي شعفاط وعناتا. يبدو المخيم كأنه سجن صغير تحيطه جسور من الأعلى وتطوّقه المستوطنات من كل جانب. أنشئ المخيم عام 1965 على مساحة 200 دونم (حيث يعادل الدونم ألف متر مربع)، وأحاطه الاحتلال بجدار الفصل العنصري.
تحيط به ثلاث مستوطنات؛: التلة الفرنسية من الجنوب، وبسغات زئيف من الشمال، وعناتوت من الشرق، مما يجعله شبه معزول. لا يتبقى للمخيم سوى مخرج وحيد من الجهة الشرقية، يتشاركه مع بلدة عناتا المجاورة، لكنه يواجه إغلاقًا متكررًا من قبل الاحتلال عند وقوع أي أحداث أمنية.
وأُنشئ مخيم شعفاط على قطعة أرض استأجرتها وكالة الأونروا من الحكومة الأردنية.
سكان شعفاط
يسكن مخيم شعفاط أكثر من 70 ألف نسمة، يحمل جميعهم الهوية الزرقاء. يتوزع السكان بين المخيم وثلاثة أحياء مجاورة هي رأس خميس، ورأس شحادة، وضاحية السلام.
ينحدر سكان المخيم، كغيرهم من لاجئي فلسطين، من قراهم ومدنهم التي طُردوا منها عقب نكبة 1948. بالإضافة إلى ذلك، نُقل إلى المخيم لاجئون كانوا يقيمون سابقًا في الحي اليهودي وحارة الشرف القريبة.
يعود تاريخ الحي اليهودي إلى عام 1929 عندما بدأت عمليات ترحيل اليهود منه نتيجة ثورة البراق، وتزايدت وتيرتها مع أحداث 1936. في عام 1948، أُخلي الحي بالكامل من سكانه اليهود الذين انتقلوا إلى القسم الغربي من القدس، ليحل مكانهم لاجئون فلسطينيون من القدس ومناطق أخرى.
ويعاني سكان المخيم من تهديد دائم بالعزلة، حيث يتحكم الاحتلال في حركة الدخول والخروج عبر بوابة تخضع لإجراءات صارمة. عبور الحاجز المحيط بالمخيم قد يستغرق ساعات، مما يضيف إلى معاناة السكان الذين يعيشون تحت قيود مستمرة وظروف قاسية.
في عام 1964، توصلت الحكومة الأردنية إلى اتفاق مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) يقضي بضرورة ترحيل اللاجئين المقيمين في حارة الشرف والحي اليهودي ممن يحملون بطاقة الأونروا.
جاء هذا المشروع نتيجة تخطيط مشترك بدأ في عام 1959 بين الأونروا والحكومتين الأردنية والإسرائيلية، بهدف نقل اللاجئين من البلدة القديمة. وفي إطار الاتفاق، طلبت الحكومة الأردنية من الأونروا إيجاد موقع بديل لإقامة مخيم جديد بدلاً من الحي اليهودي.
رغم ذلك، ترددت الوكالة في تنفيذ المشروع في البداية خشية ردود فعل اللاجئين، ما أخر تنفيذ الخطة لبعض الوقت.
ناقش مسؤولو الأونروا طلب الحكومة الأردنية نقل اللاجئين من الحي اليهودي إلى شعفاط، دون توضيح أسباب قاطعة وراء القرار. في ذلك الوقت، اتهم بعض اللاجئين والمراقبين الحكومة الأردنية بإبرام صفقة سرية مع إسرائيل قبل عام 1967، تمنح إسرائيل السيطرة على الحي.
كان نقل اللاجئين من الحي اليهودي إلى شعفاط أولوية لدى الأونروا والحكومة الأردنية وإسرائيل. ومع ذلك، اشترطت الأونروا تقديم ضمانات تمنع عودة اللاجئين إلى المدينة، بل واقترحت هدم الحي كليًا وتقليل حصص الإعاشة للاجئين الرافضين للانتقال.
تعود أصول لاجئي مخيم شعفاط إلى 55 قرية فلسطينية تابعة لمناطق القدس، اللد، يافا، والرملة. معظم السكان الحاليين وصلوا المخيم في ستينيات القرن الماضي، ويحملون هويات مدنية تابعة للقدس، مما يتيح لهم الاستفادة من بعض الخدمات الاجتماعية التي تقدمها سلطات الاحتلال، مثل الرعاية الصحية.
ووفقًا لسجلات الأونروا، يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في المخيم حوالي 18 ألف شخص، منهم 4 آلاف انتقلوا إليه لتجنب فقدان حقوق الإقامة. أما السكان الذين يقطنون الأحياء المحيطة بالمخيم، فهم مقدسيون يحملون الهوية الإسرائيلية، لجأوا إلى المنطقة بسبب انخفاض تكاليف السكن.
بنية مهددة بالانهيار
يعاني مخيم شعفاط والأحياء المجاورة له من ضعف شديد في البنية التحتية، حيث تفتقر العديد من مناطقه إلى إمدادات المياه، وشبكات الصرف الصحي، والطرق المعبدة. كما يفتقر المخيم إلى المتنزهات العامة أو الملاعب، مما يفاقم من معاناة السكان.
تشهد المنطقة أيضًا نقصًا في الفصول الدراسية، والخدمات، والمرافق الاجتماعية الأخرى، إضافة إلى تفشي ضعف الأمن وارتفاع معدلات الجرائم والمخدرات.
في المخيم، يوجد مركز شرطة واحد فقط، تأسس عام 2017، ويقع خارج الجدار بجانب الحاجز العسكري عند المدخل الغربي للمخيم. يعمل في المركز عدد محدود جدًا من أفراد الشرطة.
بسبب تركيبته السكانية المختلطة بين الفلسطينيين من القدس وأهالي الضفة الغربية الذين يحملون الهوية الزرقاء، يظل المخيم محاطًا بالحصار الإسرائيلي. يربط المخيم حاجزٌ يؤدى إلى حاجز قلنديا من جهة عناتا، وآخر يؤدي إلى بلدة شعفاط والقدس.
وبإضافة جدار الفصل الذي يحيط بالمخيم، يصبح شعفاط محاصرًا طوال الوقت، ويظهر كزنزانة كبيرة، مما يعكس الصورة التي تسعى إسرائيل لفرضها على حياة الفلسطينيين داخل فلسطين.