معراج – القدس
يقع سوق أفتيموس في القدس المحتلة، ويُعد أحد المعالم العثمانية، عُرف بمتاجره المتخصصة بالتحف، ومرّ بتغيرات كبيرة في أنشطته، ولا يزال وجهة مميزة ونقطة جذب للسياح.
“سوق بقلب البلدة القديمة”
يتموقع سوق أفتيموس في قلب البلدة القديمة في القدس، تحديدًا غرب كنيسة المخلص اللوثرية وجنوب شرق كنيسة القيامة.
ويُعتبر موقع السوق استراتيجيًا بفضل قربه من معالم تاريخية بارزة، مما يجعله وجهة رئيسية للزوار والسياح.
تبلغ مساحة سوق أفتيموس حوالي 13 دونمًا، ويضم أربعة مداخل تؤدي إلى ساحة مركزية تحتوي على نافورة كلاسيكية مزينة بتماثيل، مستوحاة من الأنماط الرومانية، مما يضفي طابعًا تاريخيًا مميزًا على السوق.
أُطلق اسم سوق أفتيموس على السوق نسبةً إلى الأرشمندريت اليوناني أفتيموس، الذي قام بتأسيسه عام 1908م بتكليف من بطريرك الروم الأرثوذكس أورليانوس.
في الماضي، كان السوق مركزًا لفرسان القديس يوحنا، واحتوى على كنيسة تحمل اسمهم. بعد التحرير الأيوبي للقدس، أصبحت المنطقة تعرف باسم “المورستان” أو مشفى صلاح الدين، واستمر هذا الاسم حتى العهد العثماني. مع مرور الوقت، تدهور السوق وتم بيعه للبطريركية اليونانية، التي أنشأت السوق الحديث المعروف باسم “أفتيموس”.
في بدايته، كان السوق مركزًا حيويًا لصناعة الجلود، وكان يضم عددًا من الحرفيين المتخصصين في الدباغة. ومع مرور الزمن، شهد السوق تغيرات كبيرة في أنشطته نتيجة الاحتلال “الإسرائيلي”.
وتبدلت محلات الدباغة بمتاجر تبيع البضائع التقليدية والتراثية، بالإضافة إلى ظهور مطاعم ومقاهي تستهدف جذب السياح الأجانب.
مر سوق أفتيموس بفترات صعبة، خاصة بعد الاحتلال الإسرائيلي، مما أثر بشكل كبير على النشاط التجاري فيه. فقد تم تحويل العديد من المتاجر إلى مطاعم ومقاهٍ، بينما استمرت المحلات القريبة من كنيسة القيامة في بيع التحف الشرقية.
تأثرت الأنشطة التجارية في السوق أيضًا بالتغيرات السياسية والاقتصادية. فقد أدت القيود التي فرضتها سلطات الاحتلال على إدخال المواد الخام وزيادة المنافسة من البضائع المستوردة إلى تضرر حرفة الدباغة، مما تسبب في إغلاق بعض المحلات أو تحول نشاطها إلى بيع التحف السياحية والمنتجات الجلدية الجاهزة.
“استيطان متغلغل”
بعد احتلال القدس الشرقية في عام 1967، بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ خطة تدريجية لتوسيع المستوطنات في أنحاء المدينة القديمة، وكان سوق أفتيموس من الأهداف الرئيسية لهذه السياسة.
واستولى المستوطنون على عدد من المباني الهامة في السوق، بما في ذلك بيت الضيافة الذي كان مملوكاً للبطريركية الأرثوذكسية.
كان هذا المبنى من بين المواقع التي تم تسريبها لإحدى الجمعيات الاستيطانية، ويضم 36 غرفة. لم يؤثر هذا التغيير على النسيج الاجتماعي للسوق فحسب، بل أثر أيضًا على دوره كمركز تجاري وسياحي.
أثرت عمليات الاستيطان بشكل ملحوظ على الأنشطة التجارية في سوق أفتيموس، حيث أغلقت العديد من المحلات التي كانت تركز على بيع المنتجات التقليدية والجلدية، وتحولت بدلاً من ذلك إلى مطاعم ومقاهٍ تستقطب السياح.
كما أدى الاستيطان إلى ضغط إضافي على الاقتصاد المحلي، حيث زادت الأعباء على البنية التحتية والخدمات، وأصبحت المرافق العامة التي كانت تخدم المجتمع الفلسطيني المحلي تُخصص لتلبية احتياجات المستوطنين، مما فاقم الضغوط الاقتصادية على السكان الأصليين.
تحول سوق أفتيموس إلى مزيج من الأنشطة السياحية والتجارية الموجهة نحو الزوار الأجانب، مع تراجع كبير في الأنشطة التي تعكس التراث الفلسطيني. وقد ساهم الاستيطان في تغيير الطابع الثقافي للسوق، مما ألحق تأثيراً بالهوية الثقافية للمنطقة.