معراج – القدس
يقع البيمارستان الصلاحي في قلب البلدة القديمة في القدسالمحتلة، وتباينت الآراء حول تاريخ إنشائه بين العهد الفاطمي والأيوبي، إلا أنه قدم خدمات الرعاية الصحية للمقدسيين وللزوار القادمين إلى المدينة.
تختلف المصادر بشأن تاريخ بناء البيمارستان الصلاحي، حيث تشير بعض الروايات إلى أنه أنشئ في عهد صلاح الدين الأيوبي بعد استعادة القدس عام 1187م.
وذكر كتاب “تاريخ البيمارستانات في الإسلام” للكاتب أحمد عيسى أن السلطان صلاح الدين أمر بتحويل الكنيسة المجاورة لدار الأسبتار إلى مستشفى للمرضى بعد فتح القدس.
كما قام صلاح الدين بتخصيص أراضٍ وأوقاف للبيمارستان وزوده بالأدوية والعقاقير اللازمة. وقد عهد بالإشراف على الأوقاف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن شداد، المعروف بلقب ابن شداد، وذلك بفضل علمه وكفاءته.
في المقابل، تفيد مصادر أخرى بأن البيمارستان كان قائما في العهد الفاطمي، وأن صلاح الدين أعاد بناءه وتطويره بعد ذلك.
ذكر مجير الدين الحنبلي في كتابه “الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل” أن البيمارستان الصلاحي كان موجودًا منذ العصر الفاطمي، ولكن بعد أن تهدم جزء منه، أمر الملك صلاح الدين بإعادة ترميمه وبناء ما تهدم.
ويشير المؤرخون إلى أن الموقع كان في الأصل كنيسة قديمة، وعند تهدمها أُنشئ مكانها مستشفى صغير توسع خلال فترة الصليبيين ليصبح مركزًا لفرسان القديس يوحنا، المعروفين بالعرب بـ”الأسبتارية”، بسبب سمعتهم في تقديم الرعاية الصحية للفرسان الصليبيين.
بعد تحرير القدس على يد صلاح الدين، استمر المستشفى في عمله وأصبح يُعرف باسم “البيمارستان الصلاحي”، واستمر في تقديم خدماته الطبية حتى العصور التالية.
استمر البيمارستان الصلاحي في أداء دوره الطبي خلال فترة الدولة العثمانية الأولى (1516-1831م) للمقدسيين والزوار، لكنه توقف عن العمل بنهاية القرن الـ18 الميلادي.
وفي عام 1868، قدم السلطان عبد العزيز الجزء الشرقي من المنطقة إلى ولي العهد فريدريك ويليام من بروسيا أثناء زيارته للقدس، وكان الأمير في ذلك الوقت رئيسًا لفرسان “جونانتروردن”، الفرع البروتستانتي السابق لفرسان المستشفى.
أنشأت الجالية الألمانية طريقًا يمر عبر الموقع من الشمال إلى الجنوب وأسموه “شارع الأمير فريدريك ويليام”، ليصبح العقار مركزًا للجالية الألمانية في القدس.
من بين الشخصيات التي شغلت منصب رئيس الأطباء في البيمارستان الصلاحي كان الشيخ شمس الدين محمد بن زين الدين، الذي كان يتقاضى أجرة يومية قدرها 3 أقجات، بالإضافة إلى محمد بن أحمد الذي تولى هذا المنصب عام 1595م.
تكون البيمارستان من مجموعة دعامات حجرية تعلوها عقود، وكانت مساحته مقسمة إلى عدة قاعات مغطاة بسقوف ذات أقبية متقاطعة وسقوف برميلية. وقد كانت كل قاعة مخصصة لعلاج أنواع معينة من الأمراض.
كما تنوعت الممتلكات الموقوفة على البيمارستان ما بين الدور والدكاكين والمدابغ وخان الزيت وقبانه وفرن وأراض زراعية وغيرها.
من بين أبرز الأطباء الذين عملوا في البيمارستان الصلاحي يعقوب بن صقلاب النصراني، الذي كان أصله من البلقاء. وُلد في القدس وتعلم الطب فيها، ثم انضم للعمل في البيمارستان الصلاحي وظل فيه حتى نقله المعظم عيسى بن العادل إلى دمشق للعمل في بيمارستانها.
كذلك كان رشيد الدين الصوري، ابن المنصور بن أبي الفضل، الذي وُلد في مدينة صور وكان معروفًا بعلمه الواسع في الأدوية والصناعة الطبية، بالإضافة إلى إلمامه بكتب غالينوس. أقام في القدس لسنوات طويلة وعمل في البيمارستان قبل أن ينقله الملك العادل إلى مصر، حيث خدم لاحقًا لدى المعظم عيسى.
المهام والاعتمادات
قدمت البيمارستانات عمومًا خدمات اجتماعية وطبية متعددة، منها العلاج المجاني خاصة للضعفاء والفقراء، كما كانت مكانًا لإيواء الأيتام والنساء العاجزات. وكان يُغسل ويُكفن فيها الموتى، ولعبت دورًا مهمًا في مكافحة الأوبئة التي كانت سببًا رئيسيًا في إنشائها.
ومع مرور الوقت، تطورت البيمارستانات من مجرد مراكز لتقديم الرعاية الصحية إلى مؤسسات توفر مبالغ مالية للمرضى وملابس عند خروجهم، لضمان عدم اضطرارهم للعمل خلال فترة الشفاء، كما ساهمت في نشر العلوم الطبية.
أما البيمارستان الصلاحي، فقد تم تقسيمه إلى عدة أقسام متخصصة لمعالجة مختلف أنواع الأمراض. شمل ذلك قسمًا للطب العام حيث تُجرى العمليات الجراحية، وقسمًا لجراحة العيون، وقاعة لعزل المجانين.