إن كنت مقدسيًا فأنت تعلم الجرح وتكابده، وإن لم تكن مقدسيًا فما ستقرأه قد لا تتخيله، أو تصدق أنه يحدث في أقدس مكان للمسلمين في فلسطين.
يقول المثل: “الدموع غلابة”.. أجل فالدموع عندما تملأ المدامع تغلب كل مشاعر الإنسان، فلا يملك سواها ليعبر، تمامًا كما سيحدث معك في هذا التقرير إن كنت ذو قلبٍ رحيم.
تخيل أن تكون في مسجدك المبارك مرابطًا عابدًا لا تؤذي أحدًا ولا تفكر إلا بقضاء أجمل الأوقات الإيمانية بين يدي الله، فتتفاجأ بمئات الجنود من كل صوب وحدب حولك، يدنسون مسجدك، ويسحلون الشبان من حولك، ويملأون المكان بقنابل الغاز، ثم تجد رصاص مطاطي يصيب هذا الشاب وذلك الشاب، وبينما أنت في صدمتك تلك، تصيب واحدةً من تلك الرصاصات عينك، فتسقط في يدك، فيغمى عليك من هول الصدمة والمشهد، لتسقط من أعلى درج لأسفله، فيصيبك كسر في جمجمتك فوق خسارتك عينك!
كيف بدا لك المشهد، هل تعتقد أنه ضرب من خيال؟!
الإجابة: لا.. فعند الاحتلال كل شيء إجرامي ممكن، وهذه القصة ما هي إلا واحدة من جرائم الاحتلال البشعة، وحدثت في المسجد الأقصى المبارك في أحداث رمضان الماضية تحديدًا بتاريخ 7/5/2023 الموافق ليلة 26 رمضان، للشاب المقدسي حمزة أبو سنينة.
من هو حمزة؟!
شاب مقدسي بسيط، من سكان حي باب حطة في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، متزوج ويعيل زوجة وأطفالًا وكان يعمل سائقًا لسيارة أجرة.
ليلة الـ26 رمضان كان معتكفًا في الأقصى في صلاة التراويح، وظل معتكفًا بعدها ليتفاجأ بهجوم قوات الاحتلال، وطردها المعتكفين، ليصاب خلال القمع بعينه برصاصة مطاطية، ما أفقده إياها، وسقط نتيجة الإغماء من هول الإصابة، ما أدى إلى كسر في جمجمته.
نقل على إثر هذه الإصابة إلى مستشفى هداسا عين كارم، وظل في العناية المركزة قرابة الـ 20 يومًا في وضع صحي خطير، لتتفاجأ العائلة بقوات الاحتلال يعتقلونه من داخل المشفى رغم حالته الصحية الصعبة.
ولوضعه الصحي الخطير، قرر الاحتلال إطلاق سراحه مع حبسه منزليًا مدة 5 أيام، ثم العودة لاستكمال التحقيق، وظل الاحتلال يلاحقه ويرفض علاجه أو سفره ما أدى إلى تفاقم حالته الصحية، تمخض عن إصابته بجرثومة خطيرة في الدماغ، ما أفقده الوعي مجددًا ونقل مرة أخرى إلى المشفى، حيث يقبع هناك في وضع صحي حرج.
بين الحياة والموت
والد المصاب حمزة الحاج فضل أبو سنينة لم يستطع أن يكمل أول جملة عن نجله، فقد غالبته الدموع، ثم حاول استجماع قواه وقال جملة واحدة: “ابني بين الحياة والموت” وعاد بعدها للبكاء، ولا قهر يعلو فوق قهر الرجال.
هدأ الوالد المكلوم قليلًا، وروى لـ “معراج” حكاية حمزة، ثم تساءل: “ما ذنب ابني ليفقد عينه ويكابد الوجع والألم وهو في عز شبابه؟! من لزوجته وأطفاله؟! أليس هذا حرامًا؟!”
وتقول والدته الحاجة أم بلال أبو سنينة: “الاحتلال رفض لم شمل حمزة بزوجته، لأن زوجته من الأردن ولا تحمل هوية، وحمزة الآن يصارع الألم وحده”.
وتتابع الأم: “وقعت عين حمزة في يده، هل يعقل أن تتخيل كيف تقع عينك العزيزة عليك في يدك؟! ابني يعاني من إصابة نفسية خطيرة فوق خطورة إصابته الصحية”.
تغول في الإجرام
ويقول والده: “سحبوا رخصة حمزة منه، بسبب فقدانه لعينه، وهذا يعني أنه فقد مصدر رزقه، وفوق هذا لم يقدموا أي تعويض أو مساعده، لا مادية ولا صحية، وهو ما فاقم حالته الصحية سوءًا”.
ويكمل: “اليوم أنا من يصرف عليه وعلى عائلته، ولا أعرف إلى متى يواصل الاحتلال الإجرام بحقه، فلم يكتفي بإصابته وحسب بل اعتقله ولاحقه وهدده والآن يماطل في علاجه”.
وتتابع والدته: “الاحتلال يتعمد الإجرام في قضية ابني، فهو يريده أن يموت ببطء، ولو شاء غير ذلك لعالجه بشكل جذري، أما الآن فهو يعيش على المسكنات دون أفق للعلاج الحقيقي”.
مناشدة
وناشد الوالدان المكلومان المؤسسات الفلسطينية الرسمية، ومؤسسات حقوق الإنسان، والمجتمع العربي والدولي لضرورة التدخل العاجل والسريع لعلاج ابنهما حمزة، قبل فوات الأوان.
وأكدا أن ابنهما يمر بأسوأ ظروف صحية ممكنة، وهو ما قد يؤدي إلى وفاته في أي لحظة إن لم يتم الاهتمام بقضيته والمسارعة في علاجه.
وصرخ والده صرخة قهر، قائلا: “أنقذوا قرة عيني وفلذة كبدي لقد فعلت كل ما أستطيع فعله لكني أواجه احتلالا منظمًا ولا يمكنني لوحدي أن أنقذ ابني، أناشد ضمائركم وإنسانيتكم أن تقفوا مع ابني قبل أن يضيع من بين يدي”.