في منتصف الليل، تحديدا عند الساعة الواحدة صباحًا بتوقيت القدس، كان مخيم جنين على موعدٍ مع عدوانٍ هو الأشرس منذ عميلة اجتياح جنين عام 2002.
أكثر من 15 غارة من سلاح الجو الصهيوني ضربت منازل وبنى تحتية وأهداف متفرقة من بينها مسجد في مخيم جنين، تبعها اقتحام ضخم بمئات الآليات العسكرية المصفحة، والجرافات العسكرية، فيما انتشر قناصة الاحتلال بالإجبار فوق وفي منازل المواطنين.
بمجرد بدء العملية هب المقاومون للدفاع عن مخيمهم الصامد بكل قوة وبسالة، وخاضوا اشتباكات مسلحة مع الاحتلال أسفرت عن إصابات محققة -حسب قولهم- فيما اعترف الاحتلال عن إصابة أحد جنوده في العملية.
وبعد 15 ساعة على العدوان الغاشم، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن ارتقاء 8 شهداء وإصابة أكثر من 50 آخرين بعضهم في حالة خطيرة.
وانطلقت دعوات ثورية لمساندة جنين، والدفاع عنها في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها من الاحتلال، فيما جابت مسيرات حاشدة مدن وبلدات الضفة المحتلة تنديدا بجريمة الاحتلال، وتضامنا مع أهالي جنين.
أسباب العدوان
الكاتب والمحلل السياسي ثامر سباعنة بين في حديث خاص مع “معراج” دوافع الاحتلال لشن هذه العدوان الهمجي على مخيم جنين.
وأوعز سباعنة الدوافع إلى تشكيل جنين نموذجًا لمقاومة الاحتلال الذي بات يخشى من انتقاله لباقي بلدات ومدن الضفة المحتلة، لذلك أصبح تدمير هذا النموذج أولوية.
كما أن مخيم جنين أصبح ملاذا وأمانا للمقاومين المطلوبين للاحتلال، والذي يجد صعوبة كبيرة في ملاحقتهم بسبب كثرة المقاومين وصلابتهم.
وأكد أنه الخلافات الداخلية لعبت دورا كبيرًا في شن الاحتلال لهذه العملية العسكرية الضخمة، خاصة في ظل المسيرات الحاشدة التي تخرج بشكل شبه يومي ضد التعديلات القضائية الدستورية.
وبين أن المتطرفين الموجودين داخل حكومة الاحتلال لعبوا دورًا كبيرا في الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لشن عملية تهدف إلى القضاء على المقاومين في جنين.
ثبات المقاومة
وقد أبدع المقاومون بالتصدي لاجتياح جنين رغم الضربة الاستباقية من سلاح الجو الصهيوني، وهو ما أكده الخبير في الشأن الصهيوني جلال رمانة لـ “معراج” قائلًا:” إن المقاومين بجنين أبدعوا في سلاح العبوات الناسفة واستطاعوا تدمير بعضها في آليات الاحتلال، كما استبسلوا بالتصدي للعدوان بصليات متتابعة من الرصاص”.
وقال:” إن الاحتلال بات يصنع لجنين ألف حساب، وبات المخيم الصغير مساحةً يؤرق كيانه، ويقلق نومه، لذلك أراد الدفع بكل هذا الزخم في محاولة للقضاء على المقاومين في جنين”
وعلى الرغم من ارتفاع حدة العدوان في هذه المرة، إلا أن الاحتلال يتخوف من تدحرج الأمور والخروج عن مسارها الذي تمنى أن تسير فيه، وهو ما بينه رمانة قائلا:” إن الاحتلال يتخوف من ردود الفعل جراء عدوانه على جنين، فهو متخوف من صواريخ المقاومة من غزة، وكذلك من الجبهة الشمالية على الحدود اللبنانية”.
فشل عسكري
وفي ظل كل تلك التخوفات التي يعاني منها الاحتلال وهو في بداية عمليته العسكرية المزعومة، أكد الناطق باسم القوى الوطنية في جنين مراد طوالبة بتصريحات خاصة لـ “معراج” أن الاحتلال لم يستطع حتى هذه اللحظة اقتحام جنين برًا.
وبين أن سلاح الجو هو من يقود العدوان، إضافة إلى قناصته المنتشرين على أطراف المخيم، فيما فشلت قوات الاحتلال الراجلة من دخول المخيم في ظل يقظة كبيرة من المقاومين.
وقال :” قوات الاحتلال ما زالت تحاول السيطرة على أزقه وحواري مخيم جنين دون أي جدوى، وحتى هذه اللحظة المعركة فقط مع الطائرات والمدرعات، ولم يتم إنزال أي جندي على الأرض حتى الآن، والمقاتلين ينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي تقوم فيها قوات الاحتلال بالترجل من الآليات حيث ستكون المعركة وجهًا لوجه مع المقاتلين”.
صمود وثبات
وأكد طوالبة أن أهالي جنين على قدر كبير من المسؤولية، وقلوبهم مليئة بالصمود والثبات رغم العدوان الغاشم، وتقديم أبنائهم ما بين شهيد وجريح.
وبين أن الاحتلال لن يستطيع النيل من عزائم أهالي جنين، فلم يستطع على مدار تاريخه كسر شوكة جنين، ولن يستطيع هذه المرة أيضًا وسيجر أذيال الخيبة دون تحقيق أي هدف.
ودعا شرفاء العالم للوقوف بجانب جنين وإدانة عدوان الاحتلال، ومساندة المخيم إعلاميا وشعبيا وقانونيًا، مشيرًا إلى ثقة أهالي المخيم الكبيرة بأحرار العالم في مختلف أماكن تواجدهم.
وعزز طوالبة ثقته بمحور المقاومة بأنه لن يترك مخيم جنين لوحده في هذه المعركة، مؤكدًا أن أهالي المخيم يعلمون أن وراءهم رجال سيساندونهم ولن يتخلوا عنهم أبدا.