اجتماعاتٌ أمنيةٌ لدى قادة الاحتلال لا تنفكُّ أن تنعقد، مباحثاتٌ سياسةٌ دولية، وخططٌ أمنية وعسكرية تدور جميعها في فلك القدس وما حولها خوفاً من انفجارٍ حتمي له سيناريوهات عديدة قد تقلب الطاولة رأساً على عقب وتزلزل الاحتلال وحكومته ومساعيه ومخططاته المتراكمة منذ زمن.
على الأرض وعودٌ وتهديداتٌ ومحاولاتٌ حثيثة لتحقيق إنجازٍ حقيقي فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك على يد حكومة الاحتلال ووزير أمنها القومي المتطرف “بن غفير” الذي لا زال يطالب بفتح المجال أماما المستوطنين لاقتحام للمسجد الأقصى خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، إضافة لدعواته لمواصلة هدم منازل المقدسيين استفزازاً لمشاعرهم وإمعاناً في الإجرام بحقهم.
وعلى الصعيد السياسي تعقُبُ القمةُ قمةً أخرى فمن العقبة إلى شرم الشيخ، يهرول الاحتلال لوضع سبل سلامته ولجم أي انفجارٍ لن تحمد عواقبه، برعاية أمريكية وبجهودٍ دبلوماسية أردنية ومصرية وبتعاونٍ وتنسيقٍ مع السلطة الفلسطينية التي وضعت نفسها شريكاً في محاولات منع التصعيد وإيجاد أفق سياسي يجدد الالتزام بالاتفاقيات السابقة التي تؤكد على شرعيتها في مدن الضفة.
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد والباحث في الشأن المقدسي د. ناصر الهدمي يقول في حديث خاص لـ “معراج”، علينا أن نعي جميعاً أن شهر رمضان المبارك هذا العام سيكون مختلف استراتيجياً عن الأعوام السابقة، وعلى صعيد الاحتلال الإسرائيلي نجد أنه يعي ذلك جيداً، ولهذا السبب نشهد اليوم اجتماعاً ثانياً على مستوى دول لمواجهة ما يمكن أن يحدث في رمضان.
وأكد الهدمي على أن الاحتلال يعي تماماً بأن رمضان هذا العام لن يقتصر على أحداث في القدس أو حتى الضفة فحسب، بل إن هناك تحركات لقوى مختلفة ستؤدي لتغير إقليمي يهدد الاحتلال، مؤكداً على أن الاحتلال يشعر جيداً بهذا التهديد لذلك جاء هذا التحرك الدولي، فالحديث ليس عن انتفاضة ثالثة بل عن حرب إقليمية ستغير وجه المنطقة بأكملها، وسنشهد خطوات نوعية على يد قوى مختلفة.
وتابع الهدمي: “أبرز هذه القوى ستكون المقاومة في قطاع غزة التي ستجهز وتعد العدة إن رأت في رمضان الحالي فرصة نوعية مكتملة الأركان لضرب العدو، ومن الممكن أن تؤدي هذه الضربة لحسم مناطق جديدة من المستوطنات المحاذية في الغلاف وضمها لقطاع غزة”.
وأضاف بأن هذا التغير الإقليمي من الممكن أن يؤدي لغياب السلطة أو غياب حركة “فتح” المتعاونة مع السلطة من خارطة القوى السياسية المؤثرة في الشارع الفلسطيني، وبالتالي تغيرات حتمية في الضفة الغربية مشابهة لما جرى في قطاع غزة من أحداث عام 2007 والتي كان لها دور كبير في تغييب فئة متعاونة مع الاحتلال عن القطاع بشكل تام وإتاحة المجال لإعداد العدة والعتاد لمواجهته، مشدداً على أن الفرصة لإتمام أمر كهذا في ظل الاحتقان الشديد في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية قوية وستتفوق على إرادة الاحتلال وقدرته على إفشال أمر كهذا في سبيل الحفاظ على فئة متعاونة معها.
ولفت إلى أن التغير في عناصر القوى ومساحات السيطرة في الضفة وقطاع غزة والضغط النفسي الذي سيتولد أيضاً لدى الاحتلال مع دخول ضربات جديدة من الشمال على ساحة المعركة خصوصاً وأن الشكوك مؤخراً كانت تتجه إلى استطاعة حماس إيجاد وتنظيم وحدات عسكرية في جنوب لبنان وهذا ما أبرزته عملية “مجدّو” الأخيرة والتي وصفت بالأخطر لكشفها عن قوى حديثة.
وجدد الهدمي التأكيد على أن اجتماع كافة هذه العناصر سيؤدي حتماً إلى انهيار مدوّي له تبعات كثيرة وإن كان انهيار محدود وليس كلّي، ولهذا السبب نجد أن الاحتلال معني بأن يمر شهر رمضان المبارك دون انفجار لأنه يدرك بأن مدينة القدس هي بؤرة هذا الانفجار، ويأتي ذلك تزامناً مع إشكالية أساسية لدى الاحتلال تتمثل بالضغط الشديد الذي تمارسه جماعات المستوطنين والحكومة المتطرفة التي ترى بأن الأوان قد آن لحسم قضية الصراع في القدس و”جبل الهيكل” والذي سيكون على المحك في شهر رمضان المبارك وشرارة ذلك الانفجار.
ونوّه إلى أن الاجتماعات الأمنية المكثّفة لقادة الاحتلال والتي نشهدها في هذه الآونة، تشير إلى المحاولات العديد لإيجاد طريقة لتحقيق أطماعه والتجاوب معها، وفي ذات الوقت، كبت الشعب الفلسطيني ولجمه من التجاوب مع أي انفجارٍ قد يتحقق في مدينة القدس، مشيراً إلى أن السلطة تعتبر متعاون رئيس في تحقيق هذا الغرض وكذلك الأردن التي تحاول امتصاص الغضب بالتهوين والتساهل مع الجرائم الحاصلة في سبيل إتمام خطة الاحتلال النوعية في هذه المرحلة تحديداً.
وأضاف: “نستطيع القول اليوم بأن هناك غليان واضح يسيطر على في الضفة والقدس وكل ما تم طرحه هو سيناريوهات متوقّعة لها تأثير استراتيجي على مستقبل الشعب الفلسطيني ومستقبل الاحتلال، وما يحكمها هو ما يجري على أرض الواقع، فمن الممكن أن يحدث أحدها ومن الممكن أن تجتمع جميعها معاً بحسب المعطيات على الأرض”.
وأشار إلى أن الاحتلال يريد بالقوة وبكل الوسائل والسبل المتاحة تقديم إنجاز جديد وملموس عملياً على أرض الواقع لحسم هذا الصراع، فهو يعيش هاجس “مرحلة التفكك” بعد مرور 75 عاماً دون أي تقدم يذكر في حسم هذا الصراع وهنا تكمن نقطة العجز التي يوجهها.
وبما يتعلق بمقدرة الشارع الفلسطيني بالقدس والضفة على تحقيق تقدم استراتيجي في هذه المعركة أوضح الهدمي بأن المعضلة الأساسية تكمن في أن الشارعين بلا قيادة والتأثير الحاصل من المقاومة في قطاع غزة ومن الخارج لا يتجاوز كونه شكل من أشكال التحريض الذي لا يمكن له أن يشكل خطة تحررية استراتيجية يجمعها أوامر محددة ويحكمها الانسجام والانضباط لتؤدي لتراكم عمل للوصول إلى تحرر وطني، وإنما هو مجرد تحريض يؤدي في هذه المرحلة دوره إلى حد ما، وإحدى إيجابياته عدم القدرة على التنبؤ بمدى وكيف وأين سيكون الانفجار، وأهم سلبياته عدم القدرة على بناء رؤية استراتيجية من خلاله.
ويرى الهدمي بأن الاحتلال لم يعد قادراً بحسب هذه الحالة على قراءة إلى أين تتجه الأمور، لذلك فهو ذاهب لارتكاب جرائم على نسق ما حدث في الشيخ جراح وباب العامود وسيف القدس، فجميعها كانت أحداث متراكمة لم تغلق ملفاتها بعد ولازالت قائمة والاحتلال مضطر إلى إغلاقها قانونياً في محاكمه، وشعبياً أمام جمهوره وهو الأهم والذي يفتح في كل مرة تساؤل مفاده: إلى أين وصلنا؟؟ وهل نحن أصحاب سيادة وباستطاعتنا أن ننفذ ما نشاء أم أننا رضخنا “للإرهاب”؟؟
وتابع: “تلك الملفات التي يسعى الاحتلال لتحقيق إنجاز فيها وغيرها أيضاً من ملفات جديدة يتم إقرارها أو تشريعها ستولّد الانفجار عندما تبدأ بالتأثير على المقدسيين وحياتهم بشكل يومي أي عندما يتم تنفيذها الفعلي، وهذا الانفجار سيكون أعمق وأكبر عندما تجتمع مع الحالة الشعورية والإيمانية التي تتملك الفلسطينيين في شهر رمضان خصوصاً اتجاه الدين والمقدسات في ظل حرص الاحتلال على تحقيق إنجاز ملموس في قضية الأقصى سيؤدي حتماً لاستفزاز مشاعرهم”.