شرعت بلدية الاحتلال في الآونة الأخيرة بمجموعةٍ من المشاريع الاستيطانية تحت ذريعة ما أسمته بـ “الثورة الإصلاحية للطرق والمواصلات” في القدس، والتي خصصت لها مبالغاً ضخمة، في سياق المشاريع التهويدية التي تعمل سلطات الاحتلال دائماً على تغليفها بمسميات جميلة، كـ “الحدائق التوراتية” و”البستنة” بدلاً من مصادرة وسرقة الأراضي على سبيل المثال.
مشروع توسيع “القطار الخفيف” هو أحد أهم هذه المشاريع التهويدية التي تنفذها بلدية الاحتلال وأبرزها، ويأتي استكمالًا لمخطط تهويد القدس وجعلها مدينة ذات طابع يهودي تختفي فيها كل المعالم الحضارية العربية والإسلامية.
ويتضمن مشروع “القطار الخفيف” ثلاثة مسارات، هي “الخط الأخضر” بطول 20 كم وقد تم إنجازه بالفعل، و”الخط الأزرق” بطول 31 كم والذي يجري الآن العمل على تنفيذه خلال العام 2023، و”الخط البني” بطول 40 كم لم يبدأ العمل به وسيتم إنجازه فيما بعد، بالإضافة إلى مسارات فرعية أخرى تبدأ جميعها من الجزء الشرقي إلى الجزء الغربي من مدينة القدس المحتلة.
وفي السنوات الماضية، كثفت بلدية الاحتلال من أعمال البنى التحتية، بما يشمل شق شوارع وأنفاق وطرق، لربط المستوطنات المقامة على أراضي شرقي القدس ببعضها البعض، وكذلك ربطها مع المستوطنات في محيط المدينة والشوارع السريعة المؤدية إلى “تل أبيب”.
يقول الباحث في الشأن المقدسي فخري أبو دياب لـ “معراج”، إن عدة مؤسسات احتلالية تقوم على تنفيذ هذا المشروع، وهي بلدية الاحتلال، وزارة المواصلات، وما يسمى “وزارة شؤون القدس”، ساعيةً بشكل حثيث إلى تعزيز الاستيطان في مدينة القدس خلال العام الجاري، بالإضافة لتقليل عدد الفلسطينيين.
ويوضح أبو دياب بأن الاحتلال يرمي لتحقيق عدة أهداف من وراء مشاريعه التي تتعلق بقطاع الطرق والمواصلات وتحديداً مشروع “القطار الخفيف”، لافتاً إلى أن هذه الأهداف تتجلى فيما يلي:
أولاً.. تسهيل وتسريع وصول المستوطنين من الجزء الغربي من القدس المحتلة عام 1948 إلى المستوطنات في الجزء الشرقي.
وثانياً.. السعي إلى إثبات حقيقة مساعيه ومزاعمه بأن القدس مدينة موحدة وهي عاصمة لدولة الاحتلال ولذلك يجب أن تكون ذات طابع متمدن حضاري تسهل حركة المواصلات العامة بداخلها.
وثالثاً.. السعي لإلغاء وطمس ما يسمى بخط الهدنة عام 1948 – 1967 وبالتالي كافة المشاريع التي تربط الجزء الشرقي في القدس بالجزء الغربي تأتي لإلغاء وطمس هذا الخط باعتبار أن القدس غربها وشرقها موحدة وهي عاصمة لدولته المزعومة.
رابعاً .. في كافة مخططات الاحتلال الجارية أو المستقبلية بما يتعلق بخطوط هذا القطار، نجد أن مساراته تلتف دائماً حول التجمعات الفلسطينية، وذلك بهدف محاصرتها وتفكيك ترابطها وتجزئتها لتقزيمها في كانتونات صغيرة ومنع أي تطور أو تمدد لها.
خامساً .. يسعى الاحتلال من خلال هذه المسارات إلى توفير وسيلة نقل إن احتاج الأمر للتنقل الأمني لقوات جيشه وشرطته، في حالات الطوارئ والإغلاق سواءً المتعلقة بأحوال الطقس أو الازدحامات المرورية أو غير ذلك.
وأشار الباحث أبو دياب إلى أن الاحتلال يدرك تماماً بأن القدس وخاصةً الجزء الشرقي منها ذات طابع معماري مميز وخصوصاً في البلدة القديمة وأسوارها والمساجد والكنائس والذي يدلل على هوية القدس الحقيقية، ولذلك يريد الاحتلال أن يضع بصمات حديثة أو متحضرة لتشويه هذا المظهر العام وطمس هويته.
وأكد الباحث بأن انعكاسات مثل هذه المشاريع على المقدسيين باعتبارهم أهل هذه المدينة وسكانها وأصحاب الأملاك والعقارات بها، وباعتبارهم أيضاً غير مستفيدين بالمطلق من هذه المشاريع كونها تخدم فئة “المستوطنين” فقط، تعتبر كارثية، موضحاً بأن تنفيذ المسار الأول من هذا المشروع فقط التهم حتى الآن 172 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين وهذا رقم لا يستهان به بالمطلق.
وتابع: “حرمان الفلسطينيين من الانتفاع في أراضيهم والتمدد والبناء هو هدف وجزء من محاولات الضغط على المقدسيين لتهجيرهم وطردهم وبالتالي البحث عن أماكن أخرى خارج القدس لاستيعاب تمددهم الطبيعي وتطورهم السكاني نتيجة الزيادة الطبيعية للسكان.