تصحبكم شبكة “معراج” المقدسية في جولة أسبوعية في المسجد الأقصى المبارك، عبر سلسلة من الحلقات للاستكشاف والبحث في تاريخ الأقصى المبارك، معالمه وأروقته، أبوابه ومصلياته، باحاته وقبابه، برفقة الباحث المقدسي رضوان عمرو، مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك.
نبدأ هذه السلسلة في الحديث عن المسجد الأقصى المبارك .. تاريخه وأركانه وأسواره ومعالمه فلنتابع سوياً..
المسجد الأقصى .. أولى القبلتين وثالث الحرمين، مبدى الإسراء ومنتهى المعراج، مهوى أفئدة الأنبياء، وبوابة الأرض إلى السماء، الموضع الوحيد الذي اجتمع فيه الأنبياء على وجه الأرض فصلوا معاً، وحظي باهتمامهم جميعاً منذ آدم عليه السلام، منه عرج نبينا محمد إلى السماء، في أطهر البقاع يقع، في أرض المحشر والمنشر وفي المدينة التي قدسها الله عز وجل، فهو منبع البركات للأمم حتى قيام الساعة.
المسجد الأقصى المبارك هو المساحة المسورة شبه المستطيلة، في أعلى سفح التلة التي قامت عليها القدس الأولى، مدينة يبوس العربية التوحيدية الأولى قبل الميلاد بقرابة 4000 سنة، والمسجد الأقصى المبارك اليوم يقع على التلة الجنوبية الشرقية من التلال الأربعة التي تقوم عليها مدينة القدس القديمة المحاطة بالأسوار.
أركان الأقصى
تبلغ مساحة المسجد الأقصى المبارك المسورة 144 دونماً، وهي محددة بأربعة أركان ضخمة راسخة في الأرض، ثلاثة من هذه الأركان الركنين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي بالإضافة إلى الركن الشمالي الشرقي أيضاً بنيت بحجارة عظيمة للغاية، يزن كل حجر منها عشرات الأطنان، وأقيمت هذه الأركان في أعماق الأرض ورفعت لتشكل ثلاثة زوايا للمسجد الأقصى المبارك، أما الركن الرابع “الشمالي الغربي” فقد نُحت في الصخر ونُسب هذا النحت إلى عهود النبوة ويقال إلى عهد داوود عليه السلام كما جاء في كتب الفضائل.
سور الأقصى
يحيط بمساحة الأقصى بين هذه الأركان الأربعة للأقصى سور عظيم أبعاده كما يلي:
الضلع الجنوبي لسور الأقصى: طوله 281 متر
الضلع الشمالي لسور الأقصى: طوله 310 متر
الضلع الغربي لسور الأقصى: طوله 495 متر
الضلع الشرقي لسور الأقصى: طوله 462 متر
التسمية والمعالم
سميت هذه المساحة في القرآن الكريم بـ “المسجد الأقصى” ووصفت بمنبع البركات (الذي باركنا حوله)، وفي السنة النبوية سميت هذه المساحة ببيت المقدس والبيت المقدس في معظم الأحاديث، وقد كان في حوزة الموحدين على مدار الزمان، وكلما ذهب إلى غيرهم عاد إليهم، وهذه من بعض دلالات تسميته “الأقصى” أي البعيد عن الشرك والدنس والكفر والظلم والفجور وبالتالي كان قصي ومطهر عن كل ذلك، ويضم هذه المسجد المبارك في داخله أكثر من 200 معلم، من قباب ومصليات وخلوات ومآذن ومساطب وأبواب ومدارس ومحاريب ومنابر وبوائك وآبار وبرك وأسبلة ونقوش وقنوات مائية وقنوات دفاعية وفضاءات سفلية، وهناك معالم في المسجد الأقصى من عهود النبوة السابقة لازالت حاضرة وشاهدة لليوم مثل صخرة بيت المقدس التي يظهر جزء منها تحت قبة الصخرة المشرفة وحلقة ربط براق الأنبياء في ركن الأقصى الجنوبي الغربي، وأيضاً بابي الرحمة والتوبة والباب المزدوج وأركان الأقصى كذلك.
أول بناء للأقصى
أما عن أول وضع المسجد الأقصى المبارك وأول بناءه، فقد سأل عن ذلك الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: “يا رسول الله أي المسجد وضع في الأرض أولا، فقال رسول الله المسجد الحرام، فقال أبو ذر ثم أي فقال رسول الله المسجد الأقصى، فقال كم بينهما، فقال 40 سنة”، وبحسب العلماء فإن آدم أول من وضع الكعبة وعاش في الأرض 1000 سنة فهو غالباً الذي وضع المسجد الأقصى المبارك، فهناك شواهد كثيرة على أو باني الكعبة هو نفسه باني المسجد الأقصى المبارك، أو كما ورد في قولٍ آخر أن عدة أنباء اشتركوا في البناء بإيحاءٍ من رب واحد، لأن هناك توافقات عجيبة بين بناء الأقصى المبارك وشكله وبناء الكعبة المشرفة وشكلها.
حظي الأقصى المبارك على مدار التاريخ بوجودٍ نبويٍ عظيم، وتعاقب الأنبياء على عمارة المسجد الأقصى المبارك منذ آدم عليه السلام إلى أن أُسرِيَ بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام واستلم الولاية على المسجد الأقصى المبارك من الأنبياء في ليلة الإسراء والمعراج، فكان المكان الوحيد على وجه الأرض الي اجتمع فيه الأنبياء جميعهم في ليلة الإسراء والمعراج وصلوا جميعاً خلف النبي محمد وكان تعدادهم 124 ألف نبي، فالمسجد الأقصى المبارك حظي بإسراء الأنبياء وشدهم الرحال إليه بعمارتهم له ومنهم من ولد في جنباته ومحيطه، ومنهم من كان إماماً له، ومنهم من كان ملكاً يحكم الأرض من جنباته.