أثبتت العملية التفجيرية المزدوجة التي وقعت صباح أمس الأربعاء، في مدينة القدس المحتلة، فشلاً ذريعاً للمنظومة الأمنية الاستخباراتية التي لطالما تغنى بها الاحتلال والعالم، عبر تكنيكاتٍ معقدة أربكت حسابته وجعلته يتخبط في كابوسٍ لا يدري من أين جاء.
مقتل مستوطنٍ إسرائيلي وإصابة 22 آخرين، بعضهم في حال الخطر الشديد، جراء انفجار عبوتين ناسفتين في موقفين للحافلات بالقدس، لم يأتِ عبثاً، بل جاء كرد طبيعي على التغول الإسرائيلي المستمر في المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك، وعلى أبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجدهم.
عبوتين ناسفتين ملغمتين بالشظايا والمسامير والكرات المعدنية الصغيرة وضعتا بيد شخصٍ واحد في محطة للحافلات حيث كانت المحطة تعج بالمسافرين والجنود وسط مدينة القدس، ثم جرى تفجيرهما عبر جهاز تحكم عن بعد أو عبر هاتف نقال كما أظهرت التحقيقات التي كشفها جيش الاحتلال.
وحول نوعية هذه العملية وخطورتها، أكد المختص في الشأن المقدسي أسامة برهم، في حديث خاص لـ “معراج”، أن الجميع أخفق في توقع حدوث هذه العملية وعلى رأسهم كبرى أنظمة وأجهزة الأمن الإسرائيلية، خاصة وأن قضية التفجيرات وهذا النوع من العمليات يحظى باهتمام وردود فعل معينة لا تشبه غيرها من العمليات الأخرى.
وأشار المختص برهم إلى أن أصعب ما في الأمر وتحديداً على المستوى الأمني الإسرائيلي، هو أن منفذ العملية ليس استشهادياً وبالتالي فإن الخبر الأهم الذي يسعون لإيصاله للجمهور الإسرائيلي “تحييد المنفذ” وهو ما لم ينجز، لافتاً إلى أن هذا الأمر يشكل كابوساً على المنظومة الأمنية بالكامل.
واستشهد برهم بعملية المقدسي “عدي التميمي” الذي استطاع بعد تنفيذها أن يغيب عن منظومة الاحتلال الأمنية بالكامل لمدة 11 يوماً، مستنفذاً ميزانية وزارة الأمن بصرف ملايين الشواكل باعترافهم وعلى مرآى أعينهم، قائلاً : “اليوم نجد أن جنود الاحتلال يتربصوا بالوجوه ليبحثوا عن ضالتهم التي لم يستطيعوا الوصول حتى إلى طرف خيط فيها”.
وأضاف: “كل أجهزة المنظومة الأمنية الإسرائيلية لم تستطع حتى اللحظة حمل أي بشائر للشارع الإسرائيلي مطلقاً”.
وشدد برهم على أن اختيار المكان وجغرافيته كان أمر غاية في الأهمية بما يتعلق بأبعاد هذه العملية، فمكان التنفيذ جرى في موقع يفصل ما بين قرية لفتا المهجرة التي لها رمزية كبيرة عند الفلسطينيين وخاصة المقدسيين منهم، والتي جرى تهجير سكانها ولازالت بيوتها قائمة، وبين قرية دير ياسين والتي تحمل تاريخا فلسطينيا موجعا مليءً بالمجازر، واللتان يفصل بينهما شارع واحد، يعتبر المدخل والمخرج الرئيس لمدينة القدس.
وحول انعكاس هذا الهوس الأمني الذي يحاصر الاحتلال حتى هذه اللحظة من عدم الوصول إلى طرف خيط يربطه بالمنفذ أو الفاعل، على التقييد الأمنى والإجراءات التنكيلية الذي سيشهدهما الشارع المقدسي أوضح برهم لـ “معراج”، أن المقدسيين باتوا يؤمنون بأن الاحتلال يستثمر كل حدث مفرح أو محزن للتنكيل بهم، حتى وإن سقطت قاعة للأفراح أو توفي لاعب كرة في ملعب في القدس الغربية فسيتحمل هو عواقب الأمر، لذلك نجد أن المقدسي لم يعد يفكر في ردود الفعل فهي بكل الأحوال باتت ضده.
وفي ذات السياق أشار الباحث المقدسي ورئيس لجنة الدفاع عن أراضي القدس بسام بحر في حديثٍ خاص لـ “معراج”، أن ما عاد يطبق اليوم على أرض الواقع هو نظرة الاحتلال لكل إنسان فلسطيني بأنه قنبلة موقوتة، لافتاً إلى أن هذا الأمر هو ما يربكه على المستوى الأمني، فرغم قوة منظومته الأمنية، إلا أن ما يقف في وجهها إرادة شعب صلبة نحو تحقيق الحرية لم يستطع أن يكسرها أحد.
ولفت الباحث بحر إلى أن هذه العملية شكلت صدمة لدى الاحتلال، فكافة العمليات التي جرت في السنوات الأخيرة كانت عبارة عن عمليات فردية وكان يتم الوقوف على كافة ملابساتها بشكل سريع، لافتاً إلى أن هذه العملية لها حسابات مختلفة خصوصاُ وأن من يقف خلف تنفيذها لازال مجهولاً حتى هذه اللحظة.
وأوضح بحر أن هذا العملية خلقت واقعا جديدا وأحدثت إرباكاً كبيراً لدى الاحتلال على مستوى جميع أجهزته من جهة وصولاً إلى المستوطنين الذين يمثلون الجبهة الداخلية من جهة أخرى، والتي بدا تأثرها من عدد البلاغات التي أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن تلقيها ومفادها “وجود عبوات ناسفة” في هذه المنطقة أو تلك.
وشدد بحر على أن تقارير الاحتلال التي أظهرت تعقيد آلية تنفيذ العملية وتكتيكها والتقنيات المتطورة التي استطاع المنفذون العمل عليها لإنجاح هذه العمليةـ تدلل بما لا شك فيه أن الاحتلال سيواجه شيء ليس بالهين في الفترة القادمة وسيكون على مستوى تكتيكي أعظم وأخطر سواءً في القدس أو في باقي المناطق الفلسطينية المحتلة.
ونوه بحر أن دولة الاحتلال هي دولة قائمة على الأمن وتتعامل مع الفلسطينيين من ناحية أمنية في كل مفاصل حياتهم، حتى وإن تعلق الأمر بشق طريق لتسهيل الحركة المرورية، فإنه يدرس ذلك مراراً من حيث تأثيره على الناحية الأمنية عليه، لذلك تجد أي مفرق من مفترقات شوارع الضفة الغربية ملغمة لكاميرات المراقبة، ناهيك عن مراقبة هواتف الفلسطينيين والتجسس على معلوماتهم .
وتابع الباحث لـ “معراج”: “ما يتعرض له المقدسيين من انتهاكات وإجراءات تعسفية وتنكيل سواءً على الحواجز وما يجرى من اعتقالات يومية أو في مراكز تقديم الخدمات لدى الجانب الإسرائيلي أو على أبواب المسجد الأقصى أو من السياسات المجحفة في هدم المنازل، وعلى كافة الأصعدة من تعليم وصحة ومقدسات وغيرها، يجعل المقدسي غير آبه بما سيترتب عليه من عقاب نتيجة لأي شكل من أشكال المقاومة”.