تتواصل مساعي الاحتلال لإحكام سيطرته على مختلف القطاعات في الشطر الشرقي من القدس، ومنها قطاع التعليم، وتعمل سلطات الاحتلال على أسرلة هذا القطاع عبر التأثير في الطلاب المقدسيين وثقافتهم الوطنية، لا سيّما عن طريق المناهج المحرّفة أو الإسرائيلية، بما يلغي مفاهيم المقاومة والنضال ويخلق أجيالًا مهادنة للاحتلال ومتساوقة معه.
قبيل بدء كل عام دراسي جديد تحاول سلطات الاحتلال وعبر شتى الطرق فرض المنهاج التعليمي “الإسرائيلي” على مدارس القدس المحتلة، وفي كل عام تواجه هذه المحاولات برفض رسمي وشعبي ومن المدارس نفسها، وما يختلف فيه هذا العام عن الأعوام السابقة هو أن سلطات الاحتلال أخذت منحى التصعيد عبر قراراتها الجائرة والمرفوضة والمدانة ضد الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان”.
وفي سياق سياسة استهداف قطاع التعليم، سحبت سلطات الاحتلال، في 2022/7/28، ترخيص ست مدارس مقدسية تدرس المنهاج الفلسطيني، وقال بيان صادر عن الناطق باسم وزارة المعارف في حكومة الاحتلال إنّ وزيرة المعارف شاشا بيتون قد استدعت مديري مدارس الإيمان الخمس والكلّيّة الإبراهيمية في القدس، وأبلغتهم أنها ستسحب منهم رخصة العمل الدائمة وتستبدل بها رخصة مؤقتة لعام واحد، تجديدها مشروط بتصويب ما أسمته “المحتوى التحريضي ضد الحكومة الإسرائيلية وجنود الجيش الإسرائيلي” الذي تحتويه المناهج المعتمدة في هذه المدارس.
في حديثٍ خاص لـ “معراج” قال الشيخ ناجح بكيرات نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس، إن المشهد الاحتلالي الذي يهدف إلى ضرب التعليم في مدينة القدس ليس جديداً، فمخطط “أسرلة التعليم” كان أولى المخططات التي بدأ فيها الاحتلال منذ سيطرته على مدينة القدس، آنذاك طلب الحاكم العسكري بمحاولة فرض المنهاج الإسرائيلي وفتح المدارس، فواجه المعلمين والمدراء هذا القرار بالرفض القاطع وتم حينها اعتقالهم وملاحقتهم واستهدافهم بشكل مباشر فترة طويلة.
وأضاف: “بعد ذلك قام الأستاذ حسني الأشهب بفتح مدارس خاصة أصبحت هي المدارس المعتمدة، ورفض أهل القدس الرضوخ للمنهاج الإسرائيلي مطلقاً حتى في المدارس التي كانت تشرف عليها بلدية الاحتلال أو وزارة المعارف الإسرائيلية”.
وتابع الشيخ بكيرات: “بقيت 99% من المدارس آنذاك تتبع للمنهاج الفلسطيني وقبله الأردني حتى عام 1995 ففي هذا العام بدأ الاحتلال محاولات حثيثة لتطبيق خطة جديدة تهدف لتفتيت التعليم في مدينة القدس، وذلك عبر جعله يخضع لعدة مرجعيات، فأوجدوا مدارس المقاولات والمدارس الخاصة والمدارس التابعة للأونروا ومدارس الأوقاف وغيرها، وبدأو بخطة تفتيت التعليم عبر فرض عدد من القوانين على هذه المدارس نجد أننا اليوم نجني ثمارها .
وأوضح بكيرات أن الاحتلال استغل ارتفاع تكلفة التعليم وربط موضوع دعم التعليم ودعم المدراس بتطبيق المنهاج الإسرائيلي، لافتاً إلى أن مدارس الأوقاف الإسلامية رفضت ذلك، وبقيت المدارس الخاصة على منهاجها الخاص وتلقت في مرحلة ما دعم من بلدية الاحتلال كون أنها قائمة كسلطة احتلال بالقوة.
وأكد بكيرات لـ “معراج”، أن ما تقوم به سلطات الاحتلال اليوم كخطوة جديدة في تدرجها وصولاً لـ “أسرلة التعليم” هو اشتراط تطبيق واعتماد المنهاج الإسرائيلي للاعتراف بهذه المدارس والإبقاء على الدعم الذي تقدمه للمدارس.
هذا الاستهداف أصبح واضح بشكل كبير جداً وترتب عليه فصل عدد كبير من المعلمين الذين رفضوا تطبيق المنهاج الإسرائيلي وإغلاق أيضا عدد من المدارس التي رفضت الانصياع لهذا الأمر، إلى أن وصلنا اليوم لإجبار فئة كبيرة من الطلاب الانصياع للمنهاج الإسرائيلي عبر التحاقهم بالمدارس التابعة لبلدية الاحتلال، كما تم إجبارنا سابقاً في القطاع الصحي على الذهاب للمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة الإسرائيلية .
وأِشار بكيرات إلى أن 75% من مدارس القدس تتبع اليوم لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية والبلدية والمعارف، لكن عدد قليل منها الذي يطبق المنهاج الإسرائيلي لا تزيد نسبتهم عن 2-3%.
وأكد بكيرات على أن هدف الاحتلال من كل ذلك هو قطع كل ما يتعلق بترسيخ الهوية وتعزيز الثقافة الفلسطينية، ومحاولة لتهويد جيل كامل عبر أخطر مجال يريد الاحتلال أن يضربنا به، ألا وهو المجال التعليمي، فهو يريد خلق جيل لا يعرف هويته ولا انتمائه ولا مبادئه والذي سينعكس بالتالي على المواقف الصلبة التي يتبناها أهل مدينة القدس.
سبل المواجهة
وفي الحديث عن سبل مواجهة كل هذه المخاطر والمساعي الاحتلالية شدد بكيرات على ضرورة بث الوعي في الجمهور المقدسي أن المنهاج الإسرائيلي هو “منهاج عدو” يستهدف هويتنا وديننا وعقائدنا، وعلينا ألا نرضخ له مهما جرى.
ودعى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لدعم قطاع التعليم والمدارس المقدسية والوقوف إلى جانبها لتعزيز صمودها في وجه كل محاولات الاحتلال الضغط عليها والإخضاع عبر مبرر الدعم وبناء مدارس أكثر لاستيعاب الطلبة المقدسيين.
وشدد بكيرات على نقطة رفع أجور المعلمين التي تعتبر منخفضة بشكل واضح مقارنةً بالمدارس التابعة لبلدية الاحتلال، داعياً لضرورة تبني منهاجاً يتلائم مع طبيعة الوجود الفلسطيني في مدينة القدس التي تتعرض لأشرس هجمة تهويدية تحت الاحتلال،