بقلم: سامي الشاعر
في القدسِ من في القدسِ لكنْ لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْت…
كلمات ألقاها الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، لقد شاهد وراقب وتابع العالم ما جرى يوم 29 أيار (مايو) من العام الجاري من أحداث في مدينة القدس، ومشاهد تدافع الجماعات اليمينية الصهيونية المتطرفة من المستوطنين وهم يقتحمون باحات المسجد الأقصى في الصباح فوجا فوجا وكل مجموعة تتكون من عشرة ونيف أو يزيدون قليلا، حتى بلغ تعداد من اقتحموا حتى المساء من ذلك اليوم ما يزيد عن 2000 مستوطن وأدوا طقوسا تلمودية مختلقة و أغاني ورقصات بهلوانية، خرافية، والفلسطيني يتابع ويراقب، وبينما هذا المشهد يثقل على الشاشة سيره، كانت مجموعات فلسطينية نساءا ورجالا وممن استطاع من الشباب الوصول للأقصى في حلقات رباط يواجهون هذه الغطرسة الصهيونية ويمنعون فرض الإرادة تصدى ببسالة المرابطون لمجموعات المستوطنين المتدافعين على اقتحام المسجد، واستطاعوا أن يؤثروا على أمنهم و قدرتهم التحرك بحرية فلم يستطع مستوطن أن يتحرك دون حماية مشددة من عناصر شرطة الاحتلال التي كانت تأمن المقتحمين من الصهاينة، في حالة من الذعر والخشية على أرواحهم أن يتخطفها فلسطيني ثائر، على الرغم مما شاهده العالم من عشرات المقتحمين و مئات بل قل آلاف من الجنود الذين يؤمنون أفواج المعتدين على الأقصى.
كانت الإرادة الفلسطينية تفرض نفسها تحمي مسجدها تمنع أحد من المتطرفين تدنيس المسجد أو القيام بمحاولة الاقتراب من بوابات المسجد القبلي أو قبة الصخرة، وهذه الإرادة الميدانية التي تحلى بها المرابطون في الميدان كانت سليلة إرادة شقيقة حرة أسس لها الفعل المقاوم الفلسطيني، لم يكن المرابطون أو من حضر من شباب القدس في شوارع البلدة القديمة أو منطقة باب العامود أو أسواق القدس وهم يدافعون عن النساء أو المسجد لم يكونوا وحدهم كانت إرادة المقاومة فاعلة على الأرض معهم ثبتت معادلة فلسطينية عربية إسلامية أن الأرض فلسطينية، فلم تنتهي مفاعيل صواريخ سيف القدس من العام الماضي، ولنا أن نتصور مشهد الأيام التي سبقت مسيرة الأعلام الصهيونية المختلقة فكرة من حاخام صهيوني ينتمي للصهيونية الدينية الأرثوذكسية وهو يهودا تسفي كوك المؤسس لمركز هراف اليميني الديني على أراض فلسطينية مقدسية، المركز الذي يخرج القتلة المتطرفين أمثال جماعة الثمن قتلة عائلة دوابشة ومن حرقوا محمد أبو خضير، وغيرهم، هو التجمع الديني المتطرف نفسه الذي لقنه الشهيد البطل علاء أبو ادهيم ابن مدينة القدس عام 2008 درسا لن ينسوه عندما أطلق 600 رصاصة فأردى منهم قتلا وجرحا في حاخاماتهم وطلابهم المتطرفين، كان مشهد يوم التاسع والعشرين من أيار يوما مقدسيا عربيا وإسلاميا، فقد علا فيها علم فلسطين يحلق في سماء المدينة المحتلة فوق أعلام الغاصبين، ومنع المستوطنين من السير آمنين، وفي ضوء ذلك تجدر الإشارة إلى جملة من العوامل التي تصف لنا المشهد وتحدد كيف صارت الأمور و أبعاد ذلك:
– إن الاحتلال كان يعتاد على تنظيم المسيرة منذ 54 عاما دون عناء كثير من تجييش لقواته وشرطته كي يسير المستوطنين دون خطر على حياتهم حتى عام 2021م، كان تاريخا فاصلا فكل ما قبله لم يكن كما بعده أصبح مرور المستوطن قريبا من الأحياء الفلسطينية العربية محفوف بالمخاطر ويهدد حياته، وهو شعور من لا يملك حق وجود على هذه الأرض، فخوفه والخشية على حياته دليل عدم شرعيته، وقد ثبتت سيف القدس هذه المعادلة.
– لم يكن لمسيرة عام 2021م، أن تمضي ذلك أن الوضع الميداني والسياسي العام كان مشحونا باعتداءات قوات الاحتلال على المرباطين والمصلين في المسجد الأقصى، واستباحة المستوطنين لمنازل الآمنين الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، فكيف تقف المقاومة في غزة مكتوفة الأيدي وقيادتها أعلنت دون مجال للشك أن المساس بالأقصى والشيخ جراح تعد خطير ولم يسمع الاحتلال للتحذيرات فكان أعظم ملحمة فلسطينية ضد هذا الاحتلال.
– ماذا جرى للمسيرة هذا العام، ليس حديثا عاطفيا ولا منمقا كي يزين حالة فيها ضعف، ولكن من حق القارئ أن يعرف ماذا كان يجري خلال الأيام الماضية، و الاحتلال وقيادته بكل مكوناتها السياسية والعسكرية والأمنية ترقب ردود القيادة السياسية والعسكرية للمقاومة، والوسطاء لم يكفوا ذهابا وإيابا من غزة إلى مناطق عربية وإسلامية أخرى، لم تتوقف اتصالات الأوروبيين وغيرهم من الوسطاء الإقليميين ليأخذوا ردا من المقاومة حول مسيرة الأعلام، ولم تعطي المقاومة للوسطاء غير التحذير، فيما تحتفظ لنفسها بحق إدارة المشهد وتقرير ما يلزم الميدان.
– لأول مرة ينشغل الفلسطينيون مع أجواء مسيرة الأعلام الصهيونية فكانت كثير من الساحات في غزة والضفة والشتات الفلسطيني وقفات وتظاهرات حمل المتضامنون فيها الأعلام الفلسطينية، وهي رسالة تأكيد صاحب الحق بأرضه ووطنه.
إذا اعتقدنا في صورة ظاهرة أن السواد عم مدينة القدس وأن هيمنة استيطانية صهيونية قد استشرت في أرجاء المدينة والمسجد الأقصى، فإننا نجلد ذواتنا إذ أن الاحتلال نفسه يؤكد عدم سيطرته على القدس، وأنه يفقد الهيمنة الحقيقية على القدس، وتحدث صحفي صهيوني عن ذلك صبيحة اليوم الثاني للمسيرة التي شارك فيها 27 ألف مستوطن يرفعون الأعلام قائلا:” يجب ألا نضحك على أنفسنا ونقول أن السيادة في القدس لنا (يقصد لحكومته الاحتلالية) لقد احتجنا آلاف الجنود كي نؤمن مسيرة الأعلام”.
هذا مؤشر، ومن ناحية أخرى لنا أن ندقق فيما تحدث فيه مسؤولون صهاينة كبار عن قرب زوال كيانهم وخشيتهم من انتهاء حلم صهيون. إن مقاومتنا الباسلة بفضل الله تزداد شكيمة وتراكم قوة، من أجل القدس والأقصى وأنها تدير المعركة مع الاحتلال بنفس طويل وهي مما تقتضيه إدارة الصراع. ولذلك أعتقد أن المطلوب منا شعبيا إلى جانب إرادة الفعل من المقاومة عدد من الخطوات:
– نقل دائرة المواجهة واستمرارها في جميع مناطق التماس في الضفة المحتلة، والقدس وشوارعها، من المه مألا يستقر للاحتلال حال وهو ما يقلقه أكثر.
– اجتماع الكل الوطني الفلسطيني على رؤية وبرنامج وطني تحرر يتحدد فيه خطوات واضحة من النقطة ألف إلى نقطة ياء محددة المعالم، وأن يرغم جمهورنا الوطني بكتله وأحزابه ومؤسساته الطرف المعطل للوحدة الوطنية الجامعة على قاعدة الكفاح المسلح وبرنامج تحرير فلسطين البرنامج الذي انطلقت على أساسه ثورات شعبنا، وبرنامج منظمة التحرير الداعي للكفاح المسلح.