بقلم: سميح خلف
بالحسابات السياسية و الميدانية ما فرضه الاحتلال اليوم لم يستطيع فرضه رسميا في سنوات احتلاله للأرض الفلسطينية، ما حدث في القدس و في ساحات المسجد الأقصى وفرض وجود مسيرة الاعلام ان تمر الى ساحات باب العمود والتي لم يستطيع ناتنياهو فرضها سابقا هو انتصار لنفتالي بينت واليمين المتطرف في اسرائيل رغم قناعتي التامة بأن هذا المجتمع الذي يسمى مجتمع وكيان لا استطيع تصنيفه أيديولوجيا فهم ذات ايديلوجية واحدة هي سيطرة ما يسمى اسرائيل على الحجر والبشر في فلسطين كلها .
كان بنغافير هذا المتطرف الذي يتمختر عنجهية في ساحات المسجد الاقصى صادقا بقناعاته الاحتلالية حينما نفى صفة الوجود للفلسطينيين والمسلمين جميعا في المسجد الاقصى .
ولكن ان قلنا ان هذا اليوم الذي رفع فيه عشرات الالاف من المستوطنين اعلام ما يسمى دولة اسرائيل مخترقين شوارع وازقة القدس القديمة امام العلم الفلسطيني الذي ارتفع بطائرة مسيرة في سماء القدس وفي ظل تهاون او اخفاق من الجميع في الحشد اللازم لكي يعلم العالم ولكي يثق الفلسطينيين انفسهم بقدراتهم في مواجهة الاحتلال فالحشد كان ليس بالحشد باستثناء مظاهرة خجولة رفعت عشرات الاعلام وعدد من الفتيان والحرائر اللذين تم تعذيبهم و حني رؤوسهم للاسفل و اقتيادهم للاعتقال ، ارادوا ان يذلوا الهامة الفلسطينية التي لم تتوانى يوما في تضحياتها من اجل ارضها ومقدساتها .
و من هنا على المستوى الرسمي للاسرائيليين حساباتهم ، فالحسابات الاسرائيلية استجابة لمقولة جولدامائر حين قالت “لم انم ليلة احراق المسجد الاقصى متصورة ومتخيلة الجيوش العربية تكتسح ارضنا نصرة للمسجد الاقصى و استيقظت صباحا فلم اجد شيئا تغير في الاعلام الرسمي العربي باستثناء تصريحات الاستنكار والادانه ورسالة من الزعيم الراحل عبد الناصر موجهة للقوات المسلحة المصرية بالاعداد للانتقام من العدو الصهيوني هذا ما حدث” .
ولكن هنا وبعد تعبئة اكثر من شهر في وسائل اعلامية مختلفة والتواصل الاجتماعي وتصريحات هنا وهناك بأن العدو اذا تمادى او اخترق الخطوط الحمراء فإن المقاومة سترد اما باقي وسائل الاعلام الرسمية والعربية والدولية فقد تفاوتت رودود فعلها ومنها الصامت بين الادانة والشجب والتحذير وعدم التصعيد بين الطرفين اي غزة و إسرائيل اما سلطة رام الله ففي الواقع السياسي لم تغير تصريحاتها بأن القدس ستبقى فلسطينية وعاصمة فلسطين لم ولن يغير من الواقع شيئا مالم تكون تلك السلطة قد أحدثت مراجعات على برنامجها وسياستها واتبعت سلوك تعبوي توعوي حشدي للاشتباك مع الاحتلال في كل نقاط التماس اما ان تبقى على التزاماتها الامنية و كبت الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية فهذا لن يغير من طبيعة ماصرح به نفتالي بينيت “بأن القدس ستبقى العاصمة الابدية الموحدة لاسرائيل” وتصريح في منتهى الخطورة بالتعريف السياسي بأن اسرائيل ذات سيادة على جميع الاماكن المقدسة وهذا يعني ايضا سحب وصاية الاوقاف الاردنية عن المسجد الاقصى حين قال ان اسرائيل ستسمح بممارسة العبادات لكل الديانات بلا استثناء وان من حق اسرائيل ان تمارس عباداتها في حائط البراق وما جاوره و جميع الدروب والمسالك فهي تحت السيادة الاسرائيلية .
وفي الجانب الاخر من الكل الفلسطيني المنقسم غزة الذي يطالبها المقدسيين بالثأر للمسجد الاقصى والانتهاكات التي تحدث بحق مواطني القدس ، بالقطع ماحدث اليوم في قمة الاستفزاز والعنجهية وسلوك همجي لا ارى التعامل معه الا بالقوة التي تفرض موقف “ان نكون او لا نكون” وتأثرت كثيرا حينما شاهدت تلك المدرسة المقدسية التي اعتدى عليها جنود الاحتلال ومزقوا ثوبها لانها تكبر في وجههم وتأثرت عندما يلاحق المقدسيين لمجرد انهم يرفعوا علم فلسطين ، اذا كان التحدي هو تحدي للوطنية الفلسطينية برمزيتها علم فلسطين .
ولكن الذين يطالبون غزة بالرد اضع الاعتبارات الاتية ان حسابات الحرب تختلف عن حسابات العواطف وحسابات العامة تختلف عن حسابات من هو في موقع المسؤولية فقد نشفق على من هم في غرفة عمليات القيادة في غزة والقيادة السياسية فالحسابات هنا ليست فقط حسابات ذاتية ومعدلات الربح والخسارة ميدانيا مع العدو ولكن هناك عوامل إقليمية ودولية فغزة ليست تعيش وحدها فهناك ما يحيط بها من قريب وبعيد وتتأثر بموافه فقرار الحرب قرار صعب .
هذه الحرب ان فرضت نفسها بعواملها لن تكون مثل الحروب السابقة فهي قد تكون حرب جابرة كاسرة لكلا الطرفين اما ان يكون او لا يكون وستكسر كل الخطوط الحمراء التي كانت في الحروب الأربعة السابقة وهل غزة تسطيع ان تقود مواجهة تحريكية مثلا فشلت في تحقيق اهدافها سابقا ان لم تكن حرب شاملة فلسطينية و اقليمية تتماشى مع المتغيرات في العالم التي تفرضها الحرب الروسية الامريكية في اوكرانيا و مدى جاهزية الدول المناهضة لاسرائيل في المنطقة والفصائل من هذه الحرب الشاملة .
اذا نفتالي بينيت عندما قرر هذه المسيرة درس جيدا الواقع الذاتي والاقليمي وكذلك المقاومة الفلسطينية في غزة التي لن تخوض حرب مجازفة مرة اخرى الا بحرب تحريرية سواء مرحلية او استراتيجية فالواقع صعب على غزة ان لم يكن 6 مليون فلسطيني في الضفة وغزة ايضا مشاركين في هذه الحشد والاشتباك والمعركة .