بقلم/ ياسين خضر
دعوات كبيرة للتحشيد والتحريض الواضح تقوده المؤسسات الصهيونية للمتطرفين المستوطنين لتدفعهم نحو المشاركة فيما تُدعى “مسيرة الأعلام” لاقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، وذلك يوم الأحد القادم في 29 من مايو نهاية الشهر الجاري.
زخم كبير اكتسبته تلك الدعوات لتدنيس المسجد الأقصى واقتحامه، وصل صداه إلى كل العالم، والعيون ترتقب دنوَّ هذا اليوم، الذي ستحمل نتائج أحداثه دلالات عظيمة سيكون لها تبعاتها وانعكاساتها على المنطقة برمتها، فهي أحداث ليست عابرة، وإنما تأتي كترجمات لبداية حقبة جديدة من الصراع مع الإرهاب والاحتلال الصهيوني لفلسطين.
فالمتابع لواقع ما يدور في فلسطين المُحتلة يُدرك تماماً حجم الضعف الذي تمر به حكومة الاحتلال الحالية، فبين أزماتٍ داخلية وإنسحاباتٍ تُنذر بفشل المشروع الصهيوني الإحلالي على أرض فلسطين، تخرج أصوات التطرف الصهيونية عن صمتها لتدعو لأكبر اقتحام للمسجد الأقصى الذي يحتل مكانة مقدسة في قلوب المسلمين حول العالم.
بعيداً عن الكيفية التي يتخذ فيها المستوى السياسي لدى الاحتلال قراراته فإن اتخاذ مثل هذا القرار في مثل هذا الوضع الحساس لا يُمكن أن يُفسر إلا باتجاهين أحدهما مُر والآخر أمرَّ منه، حيث أن سيناريو الموافقة على تنفيذ مسيرة الاستفزاز بخطها المرسوم والمرور من منطقة باب العامود والحي الإسلامي والاعتداء على حرمة المسجد الأقصى كفيلة بتفجير الأوضاع ليس في فلسطين فحسب بل في الإقليم بشكل عام.
هذا السيناريو الذي وافق عليه بينيت وغانتس وغيرهم من قيادة الاحتلال يجعلهم أمام جُرفَين فإما أن تسقط الحكومة القائمة على “شِبَاك العنكبوت” بفعل ضعفها أمام خوفها من ردّات الفعل الفلسطينية والإقليمية وإما الذهاب نحو مواجهة شاملة مع المقاومة الفلسطينية التي تتوعد وتُنذر بما لا يُحمد عُقباه إن تم الاعتداء على المسجد الأقصى يوم الأحد المقبل.
وعلى كل حال فإن لهذا القرار دلالات على مدى الغباء والتخبط والخوف الذي وصلت إليه قيادة الاحتلال التي باتت على شفا حُفرة من الهلاك، وهي – قيادة الاحتلال – التي تعلم جيّداً ما الذي يعنيه فشل تمرير هذه المسيرة في القدس.
إذ إن تكرار محاولات الاقتحام الأخيرة في القدس والحملة المجنونة التي تشنها قوات الاحتلال ضد الأعلام الفلسطينية ومحاولة تمرير مسيرتهم الاستفزازية لا يوجد لها تفسير بعيد عن الإطار العام لما يحاول الاحتلال فعله في المدينة وهي إعادة فرض السيادة التي باتت بين يدي المقاومة الفلسطينية ضمن ما أفرزته لنا معركة سيف القدس.
فالاحتلال يدرك تماماً دنوه من فقدان السيطرة على الجو العام في الضفة الغربية وفي القدس خاصة والتي باتت في انزياح نحو انتفاضة فلسطينية، وسط وعي عالمي جديد ينادي بالحق الفلسطيني، الأمر الذي جعل الاحتلال يفطن إلى العلم الفلسطيني في مواجهة العلم “الاسرائيلي”، والأمر بالنسبة له متعلق بالسيادة.
ومناسبة كهذه تجعلنا نعود إلى أحد أهم الأحداث الكبرى والتي تثبت معاناة الاحتلال من أزمته الوجودية ودخوله في حرب عنوانها السيادة، وهو ما قام به في جنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة، حين اعتدى الإرهاب “الإسرائيلي” على حرمة جنازتها بعد اغتيالها محاولاً عدم إظهار العلم الفلسطيني فيها، وهو الذي يعلم أثر وحجم التغطية الإعلامية لصحفية فلسطينية أمريكية قُتلت برصاص قناصيه ويشيعها الفلسطينيون بأعلامهم الفلسطينية في القدس، فوقع بذلك في جُرمٍ شهد عليه العالم أجمع، سرقة الأرض وقتل أصحابها ومن ثم قتل من يفضح هذه الجريمة.
وبالحديث عن هذا الأمر فإن دخول الاحتلال في هوس إعادة فرض السيادة جعلهم لا يدركون مخاطر تصرفاتهم وتغوّلهم في تنفيذ مخططاتهم الإرهابية، وجنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة خير مثال على ذلك، لذا فإن احتمال تغوّل الاحتلال وسوء تقدير حساباته الأمنية والسياسية قد تدفعه للمضي قدماً بخطة المسيرة الاستفزازية والتي ستجرّه نحو نهايته الحتمية، وهو الذي يعلم تماماً أن المقاومة لن تتنازل عن معادلة سيف القدس، في حين أن العالم أجمع يرتقب ما سيدور الأحد المُقبل، والقلوب العربية مشحونة بالعاطفة نحو القدس والمسجد الأقصى، وما نشاهده من أحداث متصاعدة الوتيرة في الضفة والقدس والداخل الفلسطيني المُحتل تنذر بوصول الاحتلال للمكان الذي وُضع فيه نعشه.