لم تبدأ معركة الاحتلال مع “العلم الفلسطيني” متأخراً، بل إنها كانت هدفاً مرصوداً وقضية حاضرة يُخطط لاستهدافها منذ نشأة هذا الكيان المزعوم.
فمنذ بداية الهجرة اليهودية لهذه الأرض، زمن الانتداب البريطاني كان يتم منح المهاجرين اليهود لأرض فلسطين، “الجنسية الفلسطينية”، عبر جوازات سفرٍ فلسطينية كانت تحتوي على صورة العلم الفلسطيني، وقد قام المؤرخون الصهاينة آنذاك، بإخفاء هذه المعلومة تبييتاً لنية إقامة وطنٍ قومي لليهود على أرض فلسطين بزعم أنها “أرضٌ بلا شعب”.
وبعد سنوات استطاع الفلسطينيون كشف هذه المعلومة من خلال الوثائق التي وصلوا إليها، وعلى رأسها الجواز الفلسطيني لرئيسة وزراء الاحتلال الرابعة جولدا مائير، والتي هاجرت بواسطته إلى فلسطين عام 1921، بعد أن انضمت للعمل مع منظمة العمل الصهيونية عام 1915.
شكلت “رمزية العلم” عدواً ذو خطرٍ محدق يهدد الوجود والسيادية “الإسرائيلية”، فواجهه الاحتلال بكل ما أوتي من قوة، لِوعيه التام بما يمثله هذا العلم من مفهوم الانتماء، والسيادة، وهوية الأرض، التي سعى لسلبها منذ بداية صراعه مع الفلسطينيين عام 1948.
الناشط المقدسي ماهر الصوص، أشار خلال حديثه مع “معراج”، أن رفع العلم في مدينة القدس المحتلة على وجه الخصوص، في بداية مشوار النضال الفلسطيني لم يكن يعد جريمة، لأن القدس آنذاك كان تعتبر مدينةً تحت سيطرة الاحتلال، إلى أن جاء ترامب واعترفت الإدارة الأمريكية في عهده بأن القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولفت الناشط الصوص أنه ومنذ ذلك الحين وأصبح رفع العلم الفلسطيني في القدس المحتلة “جريمة”، لما يعنيه الأمر من إثبات الهوية الفلسطينية على هذه المدينة والمواطنين فيها، وسيادة هذه الهوية.
فأصبح الاحتلال يجرم من يرفع العلم ويلاحقه ويعتدي عليه بوحشية ويعتقله، وهو يعلم تماماً أن هذه الأرض فلسطينية، وهذا العلم يمثلها، وأنه ليس سوى غريبٍ جاء إليها واستوطن.
وأكد الناشط ماهر الصوص أن المعركة الأخيرة مع الاحتلال قبل عام كانت محوريةً، وأسست لإتاحة رفع العلم الفلسطيني في القدس من جديد، وحتى في أراضي الـ 48، وأعادت وحدة الشعب الفسطيني وجهت بوصلة الصراع مجدداً إلى مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك.
وأوضح : “رغم ذلك إلا أن فكرة محربة هذا العلم أصبحت متأصلة عند الاحتلال وأجهزته الأمنية، ولامسنا هذا الشيء في تشييع الجنائز، وعلى رأسها جنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة عندما استشرس الاحتلال في محاولاته نزع العلم الفلسطيني عن النعش، لما يعبر عنه هذا العلم من هوية النعش وصاحبه ومن يحمله، مشكلاً حالة استفزاز لكل العالم العربي والغربي”.
ومن جانبٍ آخر قال الصحفي المقدسي محمد ادكيدك لـ “معراج”: “نرصد بواقع عملنا كصحفيين في الميدان بشكل يومي في مدينة القدس المحتلة، العديد من الانتهاكات بحق كل من يحاول إبراز أو رفع العلم الفسطيني في المدينة بأي شكل من الأشكال”.
وأضاف: “قوات الاحتلال تلاحق وتعتقل وتعتدي بالضرب المبرح على كل من يحاول رفع هذا العلم، وتوجه للعديد منهم أوامر الاستدعاء للتحقيق، إلى أن وصل بهم الحال إلى التضييق على بعض المواطنين الذين يرتدون ملابساً تتوشح بألوان العلم الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة”.
وتابع الصحفي ادكيدك: “ما رصدناه من محاولات منع رفع العلم الفلسطيني مؤخراً في جنازة كل من الصحفية شيرين أبو عاقلة والشاب وليد الشريف، كان مشهدًا غاية في العنجهية والإرهاب والعنف، فقد اعتدت قوات الاحتلال على سيارة الإسعاف وقامت بتحطيمها لمجرد أن النعش كان يتوشح بالعلم الفلسطيني، لكن استبسال حامي الجثمان في الدفاع عن النعش حال دونهم ودون غايتهم”.
ولا يزال طيف العلم الفلسطيني يكشف عن حالةِ الرعبِ والارتباكِِ والعجز التي تسيطر على الاحتلال وأذرعه، أمام ملايين الفلسطينيين المدافعين عن حقهم في هذه الأرض وهويتهم وسيادتهم عليها، رغم كل محاولات الاحتلال بفرض مخططاته الاستيطانية والتهويدية وخصوصاً على المدينة المقدسة، والمسجد الأقصى المبارك وما يسعى له من فرض التقسيم الزماني والمكاني عليه وصولا إلى تدشين “الهيكل المزعوم”.