القدس المحتلة – شبكة معراج
55 عامًا مرت على جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك، وما تزال جرائم ومخططات الاحتلال الإسرائيلي بحقه تتصاعد وتشتد وتيرتها بشتى الوسائل، حتى وصلت إلى مراحل أشد خطورة من ذي قبل.
وتوافق، الحادي والعشرين من آب/أغسطس، الذكرى الـ55 لإحراق المسجد الأقصى، في وقت تصاعدت فيه الأخطار المحدقة بالمسجد، تمهيدًا لتغيير الوضع القائم فيه، وصولًا إلى هدمه وبناء “الهيكل” المزعوم فوق أنقاضه، وذلك بدعم رسمي من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرقة.
وتعود أحداث الحريق إلى يوم الخميس الموافق 21 أغسطس /آب 1969، حين اقتحم يهودي متطرف أسترالي الجنسية يدعى مايكل دينيس المسجد الأقصى، وأشعل النيران عمدًا في جناحه الشرقي.
والتهمت ألسنة اللهب المتصاعدة المصلى القبلي، وأتت على أثاث المسجد وجدرانه، وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب سنوات لإعادة ترميمها وزخرفتها كما كانت.
وطال الحريق داخل المصلى القبْلي منبر “صلاح الدين الأيوبي”، وأجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب الرخامي الملون والجدران الجنوبية، وأدت إلى تحطم 48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد أكثر من ثلث مساحته الإجمالية (ما يزيد عن 1500 متر مربع من أصل 4400 متر مربع)، وأحدثت النيران ضررًا كبيرًا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، ما أدى إلى سقوط سقفه وعمودين رئيسين مع القوس الحجري الكبير الحامل للقبة.
وعندما اندلعت النيران في المصلى القبلي، قطع الاحتلال المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد، وتعمَّد تأخير سيارات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق.
وحينه، أثار الحريق المدبر ردود أفعال كبيرة وحالة غضب عارمة في العالم الإسلامي، وخرجت المظاهرات في كل مكان، وفي اليوم التالي أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى وعمت المظاهرات مدينة القدس بعد ذلك احتجاجًا على الحريق.
النيران مشتعلة
ورغم مرور 55 عامًا على الجريمة، إلا أن النيران ما تزال مشتعلة داخل المسجد الأقصى، مع تصاعد اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه بشكل غير مسبوق، من حيث ارتفاع وتيرة الاقتحامات، وعدد المقتحمين، وفرض الصلوات التلمودية ورفع أعلام الاحتلال داخله، والحفريات والتهويد، واستهداف المصلين والمرابطين بالاعتقال والإبعاد، ومحاولات بسط السيطرة الكاملة عليه وفرض مخطط تقسيمه.
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، صعدت سلطات الاحتلال من استهدافها للأقصى والمصلين الفلسطينيين، وشددت من إجراءاتها الأمنية على الدخول للمسجد، وسط حملة إبعادات طالت العشرات من رواده، ناهيك عن اقتحام وزير الأمن القومي المتطرف ايتمار بن غفير وأعضاء كنيست ووزراء للمسجد، والتجول في باحاته بشكل استفزازي.
وتتطلع “جماعات الهيكل” المزعوم إلى هدم الأقصى وإزالته من الوجود، لتأسيس “الهيكل” مكانه، وتسعى لإعادة تعريفه من مسجدٍ إسلامي خالص إلى مقدس مشترك بين المسلمين واليهود، تمهيدًا لإنهاء كل وجود إسلامي فيه فيما بعد.
وتحاول الجماعات المتطرفة بشتى الوسائل تجسيد سيطرتها وهيمنتها على المسجد الأقصى، وتحويله لـ “مكان مقدس لليهود”، من خلال “تكريس الصلوات التلمودية علنًا والنفح بالبوق، وإدخال القرابين، وأداء طقوس بركات الكهنة جماعيًا شرقي المسجد”.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أقدمت “منظمات الهيكل” خلال أغسطس الماضي، على جلب خمس “بقرات حمراء” إلى الكيان الإسرائيلي، من أجل حرقها ونثر رمادها قبالة المسجد المبارك، 1إيذانًا ببدء طقوس إقامة “الهيكل الثالث” والتجهيز لصعود ملايين اليهود إلى المسجد.
حرب مستعرة
وباتت الحرب الدينية الإسرائيلية المسعرة على الأقصى تطال كل مكونات المسجد، بغية حسم الصراع مع الفلسطينيين عبر سيطرة الاحتلال الكاملة على مدينة القدس المحتلة ومسجدها المبارك.
وشهد العام 2024 الجاري، ارتفاعًا غير مسبوق بأعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى.
وقالت “جماعات ومنظمات الهيكل المزعوم”، في إحصائية لها بعد يوم مما يسمى “يوم القدس”، بأن عدد المقتحمين للأقصى خلال العام الجاري بلغ 37 ألف مستوطن، بزيادة بنسبة 13% من العام السابق، واصفة الأعداد بـ”الرقم القياسي”.
وتواصل سلطات الاحتلال تكثيف أعمال الحفريات والأنفاق أسفل الأقصى وفي محيطه، ومنع لجنة الإعمار التابعة للأوقاف الإسلامية بالقدس من ترميم وإعمار المسجد.
ولم تتوقف حكومة الاحتلال عن مساعيها لفرض سيادتها على الأقصى، ومحاولة تغيير الواقع فيه، من خلال استهداف الوجود الفلسطيني، واستدعاء الشخصيات والرموز الدينية والوطنية واعتقالهم وإبعادهم عن المسجد لفترات متفاوتة.
ورغم الاستهداف الإسرائيلي المستمر، إلا أن المقدسيين استطاعوا بصمودهم وثباتهم أن يُشكلوا مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الديني حول الأقصى، وأن يبقوا هم أيقونة الدفاع عنه.
وبهذه الذكرى، تتواصل الدعوات الفلسطينية للنفير وتكثيف التواجد والرباط الدائم في المسجد الأقصى، لصد اقتحامات المستوطنين ومخططاتهم التهويدية ضد المسجد.