منذ احتلال المدينة المقدسة والاحتلال يحاول بشتى الوسائل، فرض سيطرته على التعليم في المدينة وتهويده، ومحاولة شطب الذاكرة والتاريخ الفلسطيني وطمْس الهوية الوطنية، بتحريف المنهاج الفلسطيني، واستبداله بالمنهاج الإسرائيلي، كونه يشكل ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتنشئة جيل واع بقضيته.
ومع اقتراب انطلاق العام الدراسي الجديد، أرسلت وزارة التربية الإسرائيلية رسائل تهديد لمدراء المدارس في القدس، تتوعد بشكل صريح بأن “ممثل قسم التنفيذ سيفتش المدارس والكتب، ويجبر ممثل المدرسة على التوقيع على عريضة تُلزمه بعدم تدريس المناهج الفلسطينية الوطنية”.
الباحث المقدسي في العلوم الاجتماعية والسياسية وعضو لجنة أولياء أمور الطلاب المقدسيين في المدرسة الإبراهيمية، طارق العكش، أوضح في حديثٍ خاص لـ “معراج” أن محاولات الاحتلال “أسرلة” التعليم في القدس كان تسير وفق استراتيجية متدرجة تهدف إلى وضع منهاج خاص بالفلسطينيين على يد خبراء صهاينة، يمحو أي فكرة وطنية من المناهج الدراسية ويُعامل الفلسطينيين على أنهم مواطنين عرب “أقلية” داخل دولة “إسرائيل” الديموقراطية التي وصفوها بـ “منارة الحريات في صحراء الجهل والتخلف والدكتاتورية العربية”، وكانت هذه الاستراتيجية تسعى لغرس مبدأ المواطنة الإسرائيلية في نفس كل فلسطيني عربي يعيش داخل دولتهم المزعومة وصولاً للفخر بهذه الهوية الإسرائيلية.
وتشير إحصائية رسمية إلى أن ما مجموعه 259 مدرسة في مدينة القدس المحتلة تتبع لعدة مرجعيات ومظلات تعليمية، منها المدارس التابعة للبلدية ووزارة المعارف الإسرائيلية وعددها 79 مدرسة وتمثل ما نسبته 30.5% من مدارس القدس، ويوجد أيضا المدارس الخاصة وعددها 84 مدرسة وتشكل ما نسبته 32.4%، والمدارس التابعة للأوقاف الأردنية وعددها 52 مدرسة وتشكل ما نسبته 20.1%، وأيضاً هناك ما تسمى بمدارس المقاولات وعددها 38 مدرسة وتمثل ما نسبته 14.7% وأيضاً المدارس التابعة لوكالة الغوث “الأونروا” وعددها 6 مدارس وتمثل ما نسبته 2.3% من مدارس القدس بحسب إحصائية صدرت عن لجنة أولياء أمور طلاب مدارس القدس 2021-2022.
وأشار الباحث إلى أن الاحتلال اتبع استراتيجية متدرجة في فرض المنهاج الإسرائيلي على الطلبة المقدسيين في مدارس القدس فبدأ أولاً بضخ الدعم المالي لكافة المدارس دون أي مقابل في خطوة كانت كمدخل لفرض الهيمنة على هذه المدراس، بعد ذلك أصبح الاحتلال يخضع هذه المدارس لرقابة مشددة بحجة دعم القطاع التعليمي، ثم أصبح يحاول إجبار المدارس التابعة لبلدية الاحتلال على الالتزام بما يسمى منهاج “البجروت” الإسرائيلي الذي يقوم بتحريف المناهج الفلسطينية ونزع كل ما يتعلق بالثقافة والهوية الوطنية والتاريخ الفلسطيني، واليوم هو ينتهج خطوة جديدة أشد خطورة تتمثل بتهديد المدارس المقدسية بالإغلاق إن لم تتبع المنهاج الإسرائيلي كمنهاج رسمي فيها.
والجدير ذكره أن المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية وعددها 79 مدرسة كما سبق ذكره، تعتمد 3 أنواع من المناهج الدراسية، فهناك 14 مدرسة تمثل ما نسبته 17.7% من مدارس البلدية تعتمد منهاج “البجروت” الإسرائيلي، بينما 26 مدرسة تمثل ما نسبته 32.9% تعتمد النظامين الإسرائيلي والفلسطيني، وأخيراً هناك 39 مدرسة تشكل ما نسبته 49.4 وهي النسبة الأكبر تعتمد المنهاج الفلسطيني أو الفلسطيني المحرف.
وأكد العكش أن الخطورة التي استجدت وبرزت مؤخراً في قضية المناهج التعليمية في مدارس القدس، هي اعتزام الاحتلال على إغلاق أي مدرسة مقدسية تتبع لأي مرجعية أو مظلة تعليمية سواءً أكانت بلدية الاحتلال أو المدارس الخاصة أو مدارس الأوقاف أو غيرها، إن وجد في مناهجها أي تعزز الهوية الوطنية الفلسطينية ليس بسلطة الدعم المالي فحسب بل بسلطة الصلاحية التي يمتلكها لاحتلال في المدينة والتي يستطيع من خلالها إغلاق أي مدرسة تمتلك ترخيص صادر من بلدية الاحتلال.
وتابع: “اليوم يسعى الاحتلال جاهداً لضرب مدرستين تمتلكان رمزية كبيرة وتاريخ وطني عريق في مدينة القدس وهي المدرسة الإبراهيمية ومدرسة الإيمان كمحاولة لترهيب وإضعاف باقي المدارس، لأن لا تجرؤ على أي اعتراض وتخضع لهيمنة الاحتلال دون عناء كبير”.
ولفت الباحث إلى أن حِركات عديدة قادها أولياء أمور طلاب المدارس المقدسية لفرض إرادتهم على سلطات الاحتلال في رفض إخضاع أولادهم للمناهج الدراسية الإسرائيلية أو المحرفة، وذلك عبر إصرارهم على رفض كل أشكال التدخل الإسرائيلي في التعليم بالقدس، مؤكدين على ضرورة تدريس المنهاج الفلسطيني، ساعين لفرض إرادتهم بالقوة وأن تكون هذه الهبة هي بمثابة فرض أمر واقع على الاحتلال تحاكي كل الهبات الشعبية والمقدسية العديدة السابقة ولربما أبرزها هبة “البوابات الإلكترونية”.
وأضاف: “ردة فعل الأهالي في إسناد إدارة المدارس بحكم ضعف موقفها لما يتهددها من الإغلاق وسحب تراخيص العمل والمحاسبة والاعتقال وغيرها كانت أكثر من رائعة، وشهدنا تكاثف غير مسبوق من كافة الأهالي بمختلف انتماءاتهم وأطيافهم في الوقوف في وجه إرادة الاحتلال ومخططاته ومساعيه الرامية لفرض المنهاج الإسرائيلي على أطفالهم”.
وأشار العكش لـ “معراج” أن أولياء الأمور هم الحلقة الأقوى القادرة على التمرد ورفض مساعي الاحتلال في هذه القضية تحديداً، فهم جهة غير رسمية لا يستطيع الاحتلال إخضاعها أو تهديدها بموجب قوانينه المجحفة أياً كانت، بينما إدارات المدارس بمختلف أشكالها ومرجعياتها هي حلقة أضعف ورغم أن مواقفها إيجابية لكنها توصف بالحذرة بحكم أنها جهات رسمية تمتلك أوراق وتراخيص وبعضها يتلقى دعم مالي وغيره، ومن الممكن أن يؤدي موقفها الرافض لنتائج عكسية تجعلها تخسر المعركة.
وأوضح: “قمنا بإفراز لجنة قانونية من المحامين من أهالي الطلاب لدراسة الموضوع من ناحية قانونية ومحاولة استغلال بعض النصوص الواردة في القانون الإسرائيلي والتي تعطي أولياء الأمور الحق والصلاحية في تقرير ما يتلقاه أبنائهم في المدرسة، وذلك بخطوات قانونية محمية ولها سند قانوني”.
ونوه الباحث إلى أن الأهالي غير راضين بشكل تام عن المناهج الفلسطينية التي تدرس كما هي، ولديهم الكثير من الاعتراضات على هذا المنهاج بسبب أنه غير ناضج وطنياً بما يكفي، والجميع يدرك أن الاتحاد الأوروبي فرض على السلطة الفلسطينية صيغة معينة عبر تنقيح وحذف بعض المعلومات كوسيلة ضغط لاستمرار الدعم المالي للسلطة، ولكن مع ذلك يعتبر المقدسيون أن المنهاج الفلسطيني على ضعفه وعلاته أهون من المناهج التي يحاول الاحتلال فرضها.
وتابع: “نحن نحارب ونقاتل لأجل الثبات دون تقديم أي تنازل أو ضعف في أي خطوة وإن كانت بسيطة (قصيدة أو بيت شعر أو صورة بها علم فلسطين أو غيرها) حتى لا يكون هذا التنازل مقدمة لتنازلات أكبر وأخطر عل المدى البعيد”.
ويذكر أنه في تموز/ يوليو الماضي، ألغت سلطات الاحتلال تراخيص ستة مدارس في القدس المحتلة، بذريعة “تدريس مضامين تحرض على دولة وجيش الاحتلال في الكتب الدراسية”، مستهدفة مدارس الايمان، ويبلغ عدد طلابها نحو 1755 طالبًا وطالبة في المرحلتين الابتدائية والثانوية، والكلية الابراهيمية 288 طالبًا وطالبة.
وفيما يلي جملة من الأمثلة التوضيحية على التحريف الذي يقوم به الاحتلال في المناهج الدراسية الفلسطينية: