واتساب معراج

د. عبد الله معروف

قد يستغرب البعض أن تكون النتيجة مقدمةً للحديث في مستقبل المشروع الإسرائيلي في القدس، فيبدأ الكلام هنا من نقطة الحكم على هذا المشروع بالفشل الحتمي. ولكن الحقيقة التي ينبغي استيعابها في مقدمة الحديث في هذا السياق هي أن المؤرخين يجمعون على أن قوانين التاريخ لا تتبدل، وما دام هناك مشروع مصادم لقوانين التاريخ فإنه لا يمكن أن يستمر أو يتطور، ولا بد أن يطرأ عليه تغيير جذري يتمثل إما في سقوطه أو تغيير هويته، وكلتا الحالتين تعنيان نهاية المشروع فعليا، وهذه هي الحال في المشروع الإسرائيلي في القدس.ونركز هنا على القدس بوصفها بؤرةً أساسيةً لها خصوصيتها وطبيعتها التي تختلف عن نواح أخرى في المشروع الذي بدأ في نهايات القرن 19 ليتوج بتأسيس إسرائيل عام 1948، ويتطور بعد ذلك إلى أن وصل ذروة قوته في ثمانينيات القرن الماضي، حين كانت الدبابات الإسرائيلية تدخل العاصمة اللبنانية بيروت بكل سهولة؛ ليبدأ بعدها مواجهة التحديات الوجودية التي أوصلته إلى الأزمة التي يعيشها اليوم.القدس في قلب المشروع الإسرائيليبدايةً، ينبغي توضيح أن القدس تعد في المشروع الإسرائيلي من الناحية النظرية حجر الرحى الذي تدور حوله فكرة الوطن القومي ليهود العالم؛ فالحركة الصهيونية التي أنشأت إسرائيل ابتداء أخذت اسمها من اسم جبل صهيون في القدس، والنشيد الوطني لإسرائيل -الذي كتب عام 1878 قبل إنشائها بـ70 عامًا- يختتم بكلمة “القدس”.لا غرابة بالتالي من أن تكون القدس محل إجماع لدى مختلف أطياف المجتمع الإسرائيلي، سواء من الناحية الدينية لدى التيارات المتدينة، أو من الناحية الوطنية التاريخية لدى التيارات العلمانية. لكن وجود القدس في قلب المشروع الإسرائيلي لا يعني بالضرورة نجاح إسرائيل في ترجمة مركزيتها عمليًا على الأرض أو في تغيير طبيعتها؛ ذلك أن مشروع الحركة الصهيونية في أساسه قام على تصور غير صحيح مفاده أن تلك الأرض (فلسطين) فارغة أصلا من السكان، وهو ما تبين عدم صحته عندما بدأ الرواد الأوائل لهذا المشروع استكشاف أرض فلسطين وفهم طبيعتها وإمكانات إقامة وطن قومي يهودي فيها؛ ليتبين لهم لاحقا أنها مسكونة بتاريخٍ وحضارةٍ عريقةٍ وضاربةٍ في العمق، وذلك ما أدى بجابوتنسكي في الرواية التاريخية الشهيرة أواخر القرن 19 إلى إرسال برقيةٍ لقادته في الحركة الصهيونية تصف فلسطين بالقول “العروس جميلة لكنها متزوجة من رجل آخر”.فشل التطهير العرقيمن الناحية التاريخية، لم يكن بإمكان إسرائيل أن تقوم كما تخيلها رواد المشروع الصهيوني الأوائل إلا بأسلوب واحد، وهو الإبادة الجماعية والتامة للفلسطينيين.وفي الحقيقة، لا توجد تجربة ناجحة نسبيًا في التاريخ الإنساني بهذا المفهوم إلا تجربة الاستعمار الأوروبي لأميركا الشمالية وأستراليا، حيث لا يمكن لشعب أن يزيح شعبا كاملا من الأرض إلا بمحوه حرفيًا كما فعل الأوروبيون مع السكان الأصليين في أميركا الشمالية وفي أستراليا بين القرنين 16 و18، وهذا الأمر لم يعد ممكنًا فعليًا خلال القرنين 19 و20 مع التغيرات الاجتماعية والمفاهيمية التي مرت بها الإنسانية مع الثورة الصناعية.على صعيد آخر، عندما قامت إسرائيل كانت تحتاج القدس لتحصل على الشرعية الدينية والوطنية لدى المجتمعات اليهودية حول العالم، وتتمكن بذلك من إقناعهم بالهجرة إليها، لكنها فشلت غداة إنشائها عام 1948 في الحصول على القدس كاملة، فاكتفت بالقسم الغربي من المدينة، الذي لم يكن يحتوي على أي موقع من المواقع الدينية المقدسة، ولكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة آنذاك حرصت على إعلان أن عاصمتها القدس رغم تفوق تل أبيب عليها من الناحية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، خاصة أن القدس تقع في قلب منطقة الصراع وعلى حدود خط الهدنة مباشرةً. وحين حانت الفرصة لإسرائيل لاحتلال شرقي القدس وضم كافة المناطق ذات الأهمية الدينية لم تنتظر لحظةً واحدةً، وتمكن جيشها يوم السابع من يونيو/حزيران 1967 من اقتحام شرقي القدس واحتلال كافة الأماكن المقدسة وإحكام السيطرة على المدينة بالكامل.

مشاركة.

اترك تعليقك