بقلم: راسم عبيدات
للمرة الثانية يقدم الفاشي بن غفير على اقتحام المسجد الأٌقصى وتدنيسه خلال أقل من نصف عام ،ولتبلغ وقاحته واستهتاره بالأمتين العربية والإسلامية ذروتها،بقوله ” نحن اصحاب المنزل،وهو ملك لنا وليس لغيرنا،وهذا المكان يهم الجميع”،وتمادي في وقاحته،واستهتاره ليس فقط بمشاعر العرب والمسلمين والتعدي على أقدس مقدساتهم،واستفزاز كل المشاعر الوطنية والقومية والدينية لهم ،بل قوله للأردن اصحاب الوصاية على الأقصى، يبدو بأنكم اخرجتم نفس ورقة الإدانة والإستنكار السابقة،وبكل وضوح يقول انتم لستم في حساباتي ..وكذلك لكي يكرس تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً،ويعمل على ايجاد قدسية وحياة يهودية فيه عبر الإحلال الديني،ونقله من المقدس الإسلامي الخالص الى المقدس المشترك،وتطويع العقل الفلسطيني والعربي والإسلامي و”كي” وعيهم، بإعتبار ما يقوم به هو وكل زعران الفاشية من عربدات واقتحامات للأقصى وصلوات تلمودية وتوراتية حق وشىئ طبيعي ،فهو ادى طقوسا تلمودية وتوراتية الى جانب رئيس ما يعرف بمنظمة الهيكل في الجهة الشرقية من الأقصى…والهدف واضح هنا السيطرة على كامل المنطقة الشرقية من الأقصى ،والتي تشكل ثلث مساحته،بحيث يتم السيطرة على مصلى باب الرحمة والبالغة مساحته (300م2) ،واقامة مدرسة دينية على كامل الساحة أمامه (500م2) ،وعلى ان يتم السيطرة على باب الإسباط،والذي بات التركيز عليه بشكل غير طبيعي في الإعتداءات الأخيرة من أجل ان تتم الإقتحامات للأقصى من خلاله،وهذا ما لمسناه ،بعد نجاح نتنياهو وحكومته بإقامة مسيرة رقصة الأعلام في ساحة باب العامود،يوم الخميس 19/5/2023،ورفع ما عرف بعلم الهيكل،وترديد الشعارات والهتافات العنصرية والمتطفرة والفاشية “الموت للعرب” و” الفلسطينيين أبناء زانيات” و”كل العرب أبناء قحبات” ،ولكون الردود جاءت باهتة ومحدودة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ،لم تتعد” الجعجعات” الكلامية والصراخ والصياح وبيانات الشجب والإستنكار والمطالبة من الشركاء في العدوان على شعبنا امريكا ودول الغرب الإستعماري بلجم دولة الكيان ووقف عدوانها على القدس والأقصى،هذه المسيرة شارك فيها أكثر من خمسة وزراء يتقدمهم بن غفير وسموتريتش وميري رغيف ويتسحاق فارسلاوف ويولي ادلشتاين وسمحا روتمان وغيرهم، ناهيك عن أن الوزير من القوة اليهودية يتسحاق فارسلاوف” كان على رأس الجماعات التي اقتحمت الأقصى رافعة اعلام دولة الكيان ومرددة ما يعرف بالنشيد لدولة الكيان ” هتكفاه” وأداء طقوس السجود الملحمي وغيرها …هذه الردود الباهتة والمحدودة والتي تعودت عليها دولة الكيان،كذلك رغم أن دولة الكيان عاشت حالة من الإستنفار الأمني والعسكري ونصبت قببها الحديدية ومقلاع داود وحيتس في القدس وعلى كامل أرض فلسطين التاريخية،وحشدت اكثر من 3200 شرطي وجندي حرس حدود ومستعربين وخيالة وغيرهم ،وأغلقت الشوارع والطرقات ومنعت حركة المقدسيين ووصولهم الى المنطقة المحيطة بباب العامود،ولكنها أدركت عبر الضغوط والإتصالات التي قامت بها أكثر من دولة وطرف، بأن المقاومة لن تطلق صواريخ على المسيرة،ولن ترد على عمليات الإقتحام للأقصى والتي بلغت (1284 ) متطرفا…بن غفير وحكومة الكيان،وكرد مباشر على القمة العربية الثانية والثلاثين في جدة بالسعودية ،وعلى تصريحات الرئيس عباس في الأمم المتحدة بأن اليهود ليس لهم علاقة بالقدس وعلى التهديدات التي أطلقتها الفصائل …وكترجمة للمشاريع والمخططات التي تتبنتها الفاشية اليهودية بحق القدس والأٌقصى،وجدنا بن غفير يقتحم الأقصى ويؤدي طقوسا تلمودية وتوراتية،ويقول نحن اصحاب المنزل ولن تخيفنا تهديدات حماس ولا فصائل المقاومة وغيرها ،وكذلك حكومة الكيان عقدت للمرة الثانية اجتماعها في البلدة القديمة في الإنفاق الموجودة أسفل حائط البراق …وعقد هذا الإجتماع وفي ذكرى ما يعرف بتوحيد القدس، ليس فقط يشكل تعديا سافرا ووقحا على هوية المدينة وعروبتها، وتسعير لحدة الصراع والسعي لتحويله الى صراع ديني يطال كامل المنطقة،بل هي رسائل تقول للعرب الذين عقدوا قمتهم في جدة، نحن لا نقيم وزناً لكم ولا نلتفت الى قممكم وما يصدر عنها من بيانات ومواقف ،نحن نترجم مواقفنا الى أفعال على أرض الواقع،ونحن خبرناكم جيداً ،انتم اصحاب السجع والطباق و”الجعجعات” الكلامية …وتذكروا عندما حرق اقصاكم في آب 1968، حينها رئيسة وزراء كياننا أنذاك غولدا مائير،قالت بأنها لم تنم طوال الليل وكانت تبكي على مصير كياننا خوفا من ان تأتي جيوشكم لكي تنهي وجود دولتنا،ولكن عندما طلع النهار،أدركت بأنكم مجرد ظاهرة صوتية،ومنذ ذلك التاريخ أدركنا بأنكم كذلك …حكومة الكيان عقدت اجتماعها في الأنفاق،لكي تقول بأن السيادة والسيطرة لها على المدينة ،وبأنها لن تكون فقط عاصمة لدولة الكيان ،بل لكل يهود العالم،وهي ستعزز السيادة والسيطرة عليها بالمزيد من المستوطنات والتهويد والطرد والتهجير والإقتلاع لسكانها ،وبسن المزيد من التشريعات والقوانين التي تغير طابعها وهويتها وتاريخها وحضارتها .
الآن وما يحدث في الأقصى وما يجري في القدس،وما تخطط له دولة الكيان في ظل تنامي الفاشية في دولة الكيان مجتمعاً وحكومة ،لم يتبق عذر لأحد لكي يحدثنا ويشبعنا بيانات شجب واستنكار ووقوف على بوابات المؤسسات الدولية والبيت الأبيض،فالمشروع الصهيوني لا يحتاج الى وضوح إلا عند المصابين بلوثة العمى السياسي والإنفصال عن الواقع فلسطينيين وعرب ،وكذلك قوى ومحور المقاومة فلسطينية وعربية وإسلامية،يجب أن يقفوا امام مسؤولياتهم،ويراعوا ما يصدر عنهم من تصريحات ولقاءات اعلامية، بأن عدم الترجمة للموقف والشعار والبيان في اللحظة المناسبة الى فعل في أرض الواقع،فهذا من شأنه خلق حالة من عدم الثقة واليأس والإحباط عند الجماهير، التي تعلق آمالاً كبيرة عليهم،وتعتبر أنهم من يتحملون المسؤولية في الدفاع عن القدس ومقدساتها وعن الشعب الفلسطيني،وفي المقدمة منها المسجد الأٌقصى،ونحن ندرك بان المقاومة لا تتعاطي مع الكيان وفق اعتباراته الداخلية ولا بردات الفعل العاطفية،ولكن هناك مواقف اذا لم يكن فيها تدخل ورد ،من شأنها ضرب عامل الثقة والمصداقية ..
مشروع الكيان في القدس تهويد واقتلاع وطرد وتهجير وتطهير عرقي وتقليل عدد السكان العرب في المدينة الى ما لا يزيد عن 18 %،وسيطرة كاملة على ما يسمى بالحوض المقدس ،المحيط بالبلدة القديمة،عبر سلسلة من المشاريع الإستيطانية،التي سيعمل على تهويدها،ونزع القدسية الإسلامية الخالصة عن الأقصى،وتحويله عبر سياسة الإحلال الديني الى مقدس مشترك،بما يستكمل ما يعرف بطقوس ومراسيم إحياء الهيكل المعنوي ،ببناء كنيس يهودي بدل مصلى باب الرحمة واقامة مدرسة دينية على ساحته،وبما يضم باب الإسباط الى بوابات الإقتحام والخروج بعد عمليات الإقتحام، وهذا سيترافق مع عملية أسرلة للمنهاج الفلسطيني في القدس،وشطب كلي له،ومنع رفع العلم الفلسطيني في القدس واعتباره مخالفة جنائية.
صحيح الكيان يعيش ازمات داخلية سياسية ومجتمعية وبنيوية ودخل مرحلة اللامخرج،وعملية ” الدمج والإندماج” فيه على خلفية الصراعات الأثنية والعرقية والطبقية بين مكوناته لم تعد ممكنة،ونحن امام دولة يتعايش فيها كيانين…وهذه الأزمات تدفع بحكومتها وفي المقدمة رئيس وزرائها نتنياهو الى السعي لتصديرها،لكي يحصن مستقبله السياسي والشخصي ويمنع انهيار وتفكك حكومته،لكي لا يدان بالتهم المنظورة ضده أمام قضاء دولة الكيان من رشى وسوء ائتمان وخيانة امانة،وصحيح انه لم ينجح في إستعادة قوة الردع المتأكلة في ظل تعاظم قوى المقاومة وتركيمها لموازين قوى استراتيجية وتضع قواعد ردع وترسم معادلات اشتباك جديدة، ولكن هذا لا يعني بأن دولة الكيان في طريقها للإنهيار والدخول في مرحلة الحرب الأهلية.
نحن في مرحلة صراع واشتباك مستمر، يستلزم حشد كل الطاقات والإمكانيات،لكي يتحول هذا المشروع الصهيوني الى مشروع خاصر ويندحر عن أرضنا.