شيئاً فشيئاً تزداد وتيرة الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسيين في عموم أرجاء المدينة المقدسة، هذه الاعتداءات التي تطال الحجر والشجر والبشر، باتت تحاصر المقدسيين في كل تفاصيل حياتهم، حتى وصلت إلى فرض عقوباتٍ على كل ما يتفوهون به.
عقوبات عديدة تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على المقدسيين لإسكات صوتهم وتغييب العالم عن واقعهم المرير، فما بين الاعتقال، والإبعاد، والاستدعاء للتحقيق، والتوقيف لساعات طويلة في مراكز الشرطة، والمنع من التحدث لوسائل الإعلام، تحت ذرائعٍ وححج واهيةٍ وغيرُ منطقية، يقف المقدسيُ عاجزاً لا حيلة لديه إلى الثبات.
ليس هذا فحسب، بل قد تصل عقوبة إسكات الصوت لقطع رزق المواطن المقدسي عبر إيقافه وفصله تعسفياً من عمله التابع لإحدى دوائر الاحتلال الرسمية، أو قيادة حملات تحريضٍ إعلاميةٍ ضده، قد تعرض أمنه وسلامه الشخصي لخطر الملاحة والاعتقال أو تصاعد اعتداءات المستوطنين المتطرفين بحقه في شوارع وأحياء المدينة المقدسة كما حصل مع خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري.
إحدى هذه الشواهد لربما أيضا ما حدث يوم أمس مع مديرة مدرسة رأس العامود الشاملة للبنين الأستاذة شذى محمود، عندما قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باعتقالها على خلفية منشورٍ لها على موقع “فيسبوك” تحدثت فيه عن الشهيد وديع عزيز أبو رموز، والذي كان أحد طلبة مدرستها المميزين في الصف الثاني عشر.
إحكام لـ “القبضة الحديدية”
رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب يقول في حديثٍ خاص لـ “معراج”، إن سلطات الاحتلال تتمادى في فرضها نهج “القبضة الحديدية” على أبناء الشعب الفلسطيني وتحديداً في القدس المحتلة، ويسابق الزمن في تهويد المكان عبر طمسه وإسكاته لأي صوت حتى وإن كان صوتاً عادياً يتحدث عن الواقع أو يمارس نشاطاً اجتماعيا وإنسانيا لربما.
ويؤكد أبو عصب أن المقدسي بات يدرك جيداً بأن الثبات والصمود على أرض مدينة القدس ثمنه باهظ جداً، في ظل تواطئ الغرب ودعمهم لمخططات الاحتلال وتواطئ العالم العربي والإسلامي أيضاً، ووجود حكومة يمينية عنصرية متطرفة كحكومة نتنياهو وبن غفير وسموترتش.
ويتابع أبو عصب: “الاحتلال يريد من الفلسطيني أن يرضخ لكل أوامر الاحتلال وأن يكون صامتاً أخرساً لا يعبر عن رأيه أو واقعه بأي شكلٍ من الأشكال، وهذا ما نشاهده يومياً عندما يقتاد جنوده للسجون أناس لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم صلّوا في المسجد الأقصى أو جلسوا على عتبات باب العامود أو زاروا بيت شهيد، أو شاركوا في استقبال أسير”.
ولفت أبو عصب إلى أن ما قامت به سلطات الاحتلال بحق مديرة مدرسة رأس العامود كان تجريماً لأمرٍ يوصف بأنه من صلب عملها، لا يمكن لها التغافل عنه، عندما ذكرت وترحمت على أحد طلبتها المميزين الذين كانوا يملؤون ساحات المدرسة حيويةً ونشاطا في أهم مرحلة من مراحله الدراسية “التوجيهي”.
ويضيف: “هذه المدرسة التي تديرها السيدة شذى هي مدرسة تابعة لبلدية الاحتلال، ومثل هذه المدارس يتم مراقبتها بشكل كبير من قبل ضباط المخابرات الإسرائيلي، فمعلميها يتم تهديدهم على يد ضباط الاحتلال بشكل متواصل للانقضاض على أي حالة من شأنها أن تشكل خطر أو تهديد على الاحتلال، وأنا أتوقع أن تفقد هذه المديرة عملها دون أن تشفع لها سنوات الخدمة الطويلة فقط لأنها تحدثت عن “شهيد”.
ويشير أبو عصب إلى أن الاحتلال يلاحق ويعتقل ويحقق مع أبناء الشعب الفلسطيني بل ويقوم بسحب هوياتهم كما حدث سابقاً مع نواب المجلس التشريعي في مدينة القدس بتهمة “عدم الولاء للكيان الصهيوني”، فهو يريد من ممثلي الشعب الفلسطيني أمر غير منطقي ألا وهو “الولاء”، وهذا أيضاً ما يحصل مع الشيخ عكرمة صبري الذي تقاد ضده أبشع حملات التحريض فقط لأنه يتحدث عن قضايا شعبه وهموم الأمة.
قادة الاحتلال في أزمة “صورة”
ومن جانبه أشار الناشط المقدسي أسامة برهم في حديثٍ خاص لـ “معراج”، إلى أن جميع قادة الاحتلال الإسرائيلي يبحثون عن “الصورة”، الصورة التي يثبتون بها انتصاراً وإن كان مزيفاً، وهذا ما يترجم قيام جيش الاحتلال بنشر الصور ومقاطع الفيديو عقب كل حدثٍ أو عملية اعتقالٍ همجية طالت ممتلكات الفلسطينيين أو فجّرت بها أبواب منازلهم دون الحاجة إلى ذلك مطلقاً.
ويتابع: “الناخب الإسرائيلي الذي قدّم صوته لأحد هؤلاء المتطرفين، إنما قدّم ثمناً لسلعةٍ يريد الحصول عليها، فملاحقة المقدسيين في أبسط تفاصيل حياتهم حتى وإن كان منشوراً على “فيسبوك” هو محاولة لاقتناص أي صورةٍ تُظهر انتصاراً مزيفاً يدلل للشارع الإسرائيلي أن الحكومة تقوم بدورٍ فاعل لتحقيق الأمن والأمان وتسيطر فعلياً على كل من يحاول زعزعة ذلك”.
ولفت برهم خلال حديثه إلى أن أفراد منظومة الأمن الإسرائيلية بكل أجهزتها هو عدد مهول ويسيطر عليهم ما يسمى بـ “البطالة المقنعة” في صفوف الجنود الذين يتم تجنيدهم بشكل عاجل حال وقوع أي مواجهة كبيرة أو عملية عسكرية، وبعد ذلك وعند استقرار الأوضاع لا يبقى لديهم ما يفعلوه، سوى ملاحقة توافه الأمور لإيهام الشارع الإسرائيلي بأنهم متيقظين ويلاحقون الفلسطينيين على “النفس”، وفي حقيقتها ما هي إلا لتقديم تقارير انجاز لضباطهم ومسؤوليهم محصلتها “صفر”.
ويضيف: “واضح جدا أن منظومة الأمن الإسرائيلية تعيش في حالة من التخبط حتى على أعلى مستوياتها، فما نشاهده على سبيل المثال اليوم من تدخل لوزير الأمن القومي ورئيس الحكومة في قرارات هدم منازل المقدسيين، وهي قرارات “مدنية” تتعلق بمخالفات بناء “مدنية” تتابعها بلدية الاحتلال، وليست منازل لإرهابيين أو منفذي عمليات ليقوم قادة الأمن الداخلي بالتدخل بحيثياتها، كل ذلك يدلل على حالة التخبط التي تؤكد عمق المأزق الذي يقع فيه “بن غفير”.
وشدد برهم على أن التحدي الحقيقي الذي يواجه بن غفير اليوم سيكون في شهر مارس، الذي تتزامن فيه الأعياد الإسرائيلية مع شهر رمضان المبارك، حينها سيقع بن غفير في هذا المأزق الذي سيجعل الشارع الإسرائيلي يثور وينقلب عليه ويطالبه بتحقيق الوعود التي قدمها لهم في حملته الانتخابية، من سيطرة على المسجد الأقصى وتقسيم زماني ومكاني وبناء للهيكل، ولأن “بن غفير” يستشعر عمق هذه الأزمة القادمة، نجده اليوم يلوح بالاستقالة بين الحين والآخر.