قبة الصخرة المشرفة
تصحبكم شبكة “معراج” المقدسية في جولة أسبوعية في المسجد الأقصى المبارك، عبر سلسلة من الحلقات للاستكشاف والبحث في تاريخ الأقصى المبارك، معالمه وأروقته، أبوابه ومصلياته، باحاته وقبابه، برفقة الباحث المقدسي رضوان عمرو، مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى المبارك سابقاً.
نستكمل هذه السلسلة في الحديث عن الصخرة المشرفة وقبتها ومغائرها ومعالمها ومحاولات نسفها وأطماع الاحتلال بها، فلنتابع سوياً..
قبة الصخرة المشرفة قبة عظيمة أقيمت على صخرة طبيعية على شكل ربوة أو تلة صخرية يقوم عليها المسجد الأقصى المبارك بكامل مساحته البالغة 144 دونماً، وتبرز أعلى قمة من هذه التلة الصخرية تحت قبة الصخرة المشرفة وتظهر أسفل القبة بشكل غير منتظم بأبعاد 13 متر ونصف في 18 متر وبارتفاع مترين وهذه هو الجزء الظاهر من هذه التلة الصخرية أسفل قبة الصخرة المشرفة.
هذه الصخرة العظيمة التي تعتبر قبلة الأنبياء عليهم السلام من قبل، صلى إليها رسول الله محمد عليه السلام سنوات عديدة وهو في مكة المكرمة وصلى إليها 16 أو 17 شهراً وهو في المدينة المنورة، فكانت قبلته الأولى أكثر من نصف بعثته عليه السلام كما جاء في الروايات، ولعلها موضع معراج النبي إلى السماوات السبع في ليلة الإسراء والمعراج، وهذه الصخرة العظيمة تضم مغائر وقنوات مائية وآبار محفورة تحت أرجاء المسجد الأقصى المبارك كاملاً وتحتوي أيضاً على جرف صخري عميق في شمال الأقصى المبارك.
معتقدات شائعة حول الصخرة
التحق بهذه الصخرة معتقدات شعبية خاطئة يتداولها الناس على غير مصدر منها مثلاً، أن هذه الصخرة طارت وارتفعت خلف النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج عندما عُرجَ به إلى السماء، ومنها أن هذه الصخرة معلقة في الهواء من كلّ جانب، ومنها أن على هذه الصخرة آثار مؤكدة وثابتة لأقدام الأنبياء أو مواضع وقوفهم وسجودهم، أو آثار متعلقة بالملائكة أو البراق، ولا يثبت أي أثر من هذه الآثار على صخرة بيت المقدس لنبي أو لملكٍ أو للبراق.
الجزء البارز من صخرة بيت المقدس داخل قبة الصخرة المشرفة محاط بسياج “درابزين” خشبي يعود للفترة الأيّوبية وتحديداً لأحد أبناء صلاح الدين الأيوبي وهو العزيز عثمان، وعلى هذه السياج أو “الدرابزين” نقش يؤرخ وضعه حول صخرة بيت المقدس داخل قبة الصخرة المشرفة.
مغائر الصخرة المشرفة
في هذه الصخرة تظهر مغارة يستطيع المصلي في القبة الدخول إليها، ويوجد بها أيضاً مغائر أخرى على الأقل “3 مغائر” لا يعلم بها كثير من الناس ومداخلها مغلقة غير المغارة الظاهرة التي يعرفها الناس وينزلون إليها بدرج في داخل قبة الصخرة، إحداها إلى الشمال قليلاً والأخرى إلى الغرب، وثالثة سفلية تحت المغارة الظاهرة، وجميعها مغلقة ويوجد بها قنوات مائية تربط الصخرة ببقية المسجد الأقصى وخارجه.
بناء قبة الصخرة
تعدّ القبة المشرفة التي أقيمت فوق صخرة بيت المقدس أجمل بناء إسلامي قائم منذ قرابة 1400 عاما وحتى الآن دون أن يُهدم، وهي آية في الجمال والإبداع الهندسي المعماري الإسلامي، فقبل قرابة 1400 عام أبدع المهندسان رجاء ابن حيوة البيساني ويزيد ابن سلّام المقدسي في تصميم هذه التحفة المعمارية العظيمة الخالدة بشكلٍ فريد، وأبرزوا فيها جمال وعظمة البناء الإسلامي وأهمية المسجد الأقصى المبارك في عهد عبد الملك بن مروان في الفترة الأموية.
بدأ بناء قبة الصخرة المشرفة عام 66 هجري بحسب أغلب أقوال المؤرّخين، واستمر بناء قبة الصخرة 7 سنوات كاملة في التصميم والتنفيذ والتجميل والزخرفة، وصولاً إلى هذا الشكل البديع، أنفق عليها آنذاك خراج مصر كاملاً، فقد كانت تكلفة بناءها تكلفة باهظة جداً، وانتهى البناء في عام 72 هجري.
شكل القبة كمبنى مثمن الأضلاع، طول ضلع المثمن الخارجي حوالي 20 متراً ونصف وارتفاع ضلعه 9 أمتار ونصف، وهناك مثمن آخر داخلي مكون من أعمدة ودعامات واسطوانات حاملة للقبة تحملها من الداخل، وداخل هاذين المثمنين يوجد دائرة عظيمة من الأعمدة تحمل القبة وتقع أسفلها مباشرة، وبالتالي فإن مسجد القبة المشرفة يتكون من مثمن خارجي من الواجهات ومثمن داخلي من الأعمدة، ثم دائرة من الأعمدة والدعامات التي تحمل القبة مباشرة.
لقبة الصخرة المشرفة قبتين متداخلتين، قبة داخلية سفلى قطرها حوالي 20 متراً ونصف، وقبة خارجية عليا تضمها، فمن الداخل تجدنا نرى قبة، ومن الخارج نرى قبة أخرى مختلفة وبين هاتين القبتين هناك منطقة عازلة يترواح عرضها حوالي متر ونصف، ووجدت هذه المنطقة العازلة لأغراض الصيانة والعزل الحراري وتسهيل عملية البناء، ويبلغ اتفاع رقبة القبة حوالي 10 أمتار وارتفاعها كاملاً عن الأرض حوالي 35 مترا أما ارتفاعها من أقصى نقطة في الهلال حتى بلاط الأرطية فيبلغ 39 متراً وهذا يدل على عظمة هذا البناء.
يحوي بناء قبة الصخرة على آلاف قطع الفسيفساء واللوحات الفسيفسائية البديعة للغاية، كما أن القبة من الخارج مطلية بالذهب منذ بناءها في عهد عبد الملك بن مروان، وأزيل هذا الذهب عبر العصور ثم أعيد طلاؤها مرة أخرى.
اعتنى المسلمون عبر العصور الإسلامية كافة في بناء قبة الصخرة ولولا ذلك لما رأينا هذه التحفة المعمارية اليوم، ففي العهد الأموي أقيمت وزخرفت بهذا الشكل البديع ثم في العهدين العباسي والفاطمي ضربت مدينة القدس عدة زلازل استوجب إعادة ترميمها، ثم في العهد الأيوبي بعد التحرير أعاد صلاح الدين الأيوبي إسلاميتها وأزال العناصر الصليبية منها والصلبان والأجراس والأيقونات والمنبح، وأعادها مصلً من مصليات الأقصى المبارك كما كانت من قبل وتوجت من الداخل بنقش يذكر صلاح الدين الأيوبي، وتواصلت أعمال الترميم في الفترات المملوكية والعثمانية.
الأطماع الصهيونية في قبة الصخرة
الاحتلال يطمع اليوم إلى مقاسمة المسلمين مبدئياً في قبة الصخرة المشرفة والدخول إليها وإقامة الطقوس والصلوات التلمودية بداخل هذه القبة، وهذا هدف مرحلي وصولاً إلى إزالة هذه القبة المشرفة بشكل كامل من الوجود وإقامة الهيكل المزعوم في مكانها لزعمهم أن قبة الصخرة المشرفة تقوم في موقع قدس الأقداس في الهيكل المزعوم.
تعتبر قبة الصخرة المشرفة اليوم في مركز الاستهداف الصهيوني، وكل أطماع الصهاينة تتجه إلى القبة ونجدهم يجاهرون بأنهم أمام خيارين إما إزالتها من الوجود تماماً، وإما بأن يقبل المسلمون بتقاسمها مكانياً وزمانياً معهم وإعطاء حقوق للعبادة اليهودية بداخلها وإخلاءها تماماً في أعيادهم التوراتية لإقامة شعائرهم وطقوسهم تمهيداً لبناء الهيكل.
حاولت العصابات الصهيونية من قبل نسف قبة الصخرة المشرفة وتم إحباط مخططاتهم، واستهدفت القبة في كل المجازر التي ارتكبها الاحتلال في الأقصى ومنها المجزرة التي ارتكبه المتطرف جودمان بحق المصلين بداخلها حيث أطلق النار عليهم واستشهد عدد من الشبان وأصيب العشرات.