منذ منتصف يونيو/حزيران من العام 2021 يستمر تفتت وتساقط حجارة أعمدة المسجد الأقصى الأثرية، وسط منع ترميمها ودخول لجانٍ مختصةٍ للوقوف على الأسباب والحيثيات، فما بين تشققات في الجدران الجنوبية والشرقية والغربية للأقصى، وانهيار عدة مبان أثرية في حي باب السلسلة، والأحياء المجاورة للسور الغربي للأقصى.
واستكمالاً لهذه التساقطات التي كان آخرها في 31 أغسطس/آب 2022، رصدت يوم أمس السبت، حجارة مفتتة سقطت من العمود الأيمن لباب النبي (المزدوج) الغربي، الذي يؤدي إلى الزاوية والمكتبة الختنية داخل مصلى “الأقصى القديم” جنوب المسجد الأقصى، إذ يعتبر هذا العمود من أقدم أعمدة المسجد.
ولا شك أن المخاطر المحدقة في المسجد الأقصى المبارك بدأت تأخذ منحى خطيرًا، بفعل استمرار تساقط الحجارة من أعمدة مصلى الأقصى القديم، بسبب الحفريات الإسرائيلية المتواصلة أسفل المسجد وفي محيطه، والتي باتت تنذر بهدمه، وتشكل خطرًا على أمن وسلامة المصلين.
الباحث والخبير في تاريخ القدس والمسجد الأقصى د. جمال عمرو أشار في حديثٍ خاص لـ “معراج” إلى أن قضية تساقط الأتربة والحجارة من أعمدة وأروقة المسجد الأقصى المبارك تدلل على عمل إجرامي وجريمة مدبرة بفعل فاعل، وليس بفعل ظواهر طبيعية جيولوجية وأركيولوجية، لافتاً إلى أن هذه الحجارة والأعمدة العملاقة صمدت لآلاف السنوات، فالمداميك السفلية للمسجد الأقصى المبارك تعود إلى قبل 2000 عام.
وأوضح عمرو أن معالم المسجد الأقصى المبارك وأعمدته ومداميكه صمدت لآلاف من الأعوام، ولم تظهر عليها هذه المتغيرات وتتعرض لهذه الظواهر سوى في عهد الاحتلال الصهيوني وتغوله وفاشيته وعنصريته، والدليل على ذلك سحب آلاف الأطنان من الأتربة والحجارة أمام أعيننا بالرافعات العملاقة التي كانت تتمركز في ناحية القصور الأموية وتقوم بنقل هذه الأطنان الهائلة وسحبها من الأساسات الأقصى.
وأشار الباحث عمرو إلى أن الدليل الأجلى على هذه الجريمة المدبرة هو منع الاحتلال دخول طواقم اليونسكو واللجان الدولية المختصة وأيضاً لجان ومختصي دائرة الأوقاف بشكل قطعي لمعاينة أسباب هذه الانهيارات المتكررة، وهذا ما يدلل على أن هذه الجريمة التي تمت بالخفاء قد آتت اليوم أُكلها.
وتابع لـ “معراج”: “يمكننا الوقوف وكشف مسار الحفريات التي يجريها الاحتلال الصهيوني أسفل المسجد الأقصى باتباع مسار تساقط الأتربة الحجارة من المسجد الأقصى وهذا بنسبة عالية من الصحة، ففي الناحية القبلية نجد أن مسار التساقط يبدء من حائط البراق في جدار الأقصى مروراً بأعمدة وجدران المتحف الإسلامي ومصلى النساء والمكتبة الإسلامية وصولاً إللى المصلى المرواني، لافتاً إلى أن هذه المسار أصبح واضحاً للعيان ويمكن مشاهدته والتثبت من ذلك”.
وشدد الباحث عمرو إلى أن هناك خطر شديد يتهدد الأقصى بفعل مخططات الاحتلال بتوسعة نفق للاحتلال الذي تم تشييده عام 1996 أسفل الأقصى، وقد شوهدت دلالات على ذلك بالانهيارات عدة حصلت في مسطبة أبو بكر الصديق، والسقوط الذي لحق بدرج المجلس الإسلامي الأعلى هذا المبنى العريق المقابل لمقبرة مأمن الله الإسلامية، وصولاً إلى المدرسة العمرية في أقصى شمال المسجد الأقصى عند باب الغوانمة.
ووجه د. عمرو رسالة لكافة الجهات المعنية بحماية الأقصى والوصاية عليه والإشراف على الوضع القانوني الدولي القائم فيه قائلاً، الاحتلال عودنا أنه لا يقيم وزناً للأقوال، وإنما نراه يقيم ألف وزنٍ للأفعال والتي قام بها تاريخياً في الأقصى المرابطون والمرابطات والمعتصمون في الأسباط إلى أن اقتلعوا البوابات الإلكترونية عام 2017، وبناءً على ذلك فإن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي هي الأقدر على فعل ذلك من المقدسيين الذين لا حول لهم ولا قوة.
وطالب دول العرب والمسلمين باقتلاع أعلام دولة الصهاينة من عواصمهم وإيقاف مسلسل التطبيع مع هذا العدو الذي يدنس أقدس مقدساتهم، كما دعا كافة الشعوب لإعلانها ثورة وإسقاط كافة الأنظمة التي تطبع مع هذا المحتل الذي ينتهك حرماتنا.