منذ سنوات تتسارع سياسة تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتمثل بزرع قبور يهودية وهمية في محيط المسجد الأقصى المبارك وما حوله، لتمتد على مساحات جديدة من أراضي المقدسيين، في محاولة لتزوير تاريخ المسجد ومدينة القدس المحتلة وهويتهما، واصطناع حضارة يهودية مُزيفة.
منذ العام 1978 بدأ الاحتلال بالاستيلاء على مئات الدونمات من الأراضي الوقفية والفلسطينية، عبر مصادرتها بزعم أنها كانت مقابر لليهود، وشاهدة على وجود حضارة وتاريخ يهودي في محيط الأقصى وبلدة سلوان، ليتم تحويلها إلى مقابرٍ وهمية بإشرافٍ وتخطيط من بلدية الاحتلال، وزارة شؤون القدس، وزارة الأديان، وسلطة الآثار، وجمعية “إلعاد” الاستيطانية، وجمعيات وشركات الدفن اليهودية.
يقول باحثون في الشأن المقدسي إن سلطات الاحتلال زرعت ما يقارب 12 ألفاً و800 قبر وهمي منذ العام 1978، تقع 32% منها في بلدة سلوان، كونها ملاصقة للمسجد الأقصى، وخط الدفاع الأول عنه في مواجهة اعتداءات ومخططات الاحتلال التهويدية.
الباحث والمختص في الشأن المقدسي د. جمال عمرو يقول لـ “معراج” إن الاحتلال يقتنص أي فرصة للتحايل على الفلسطينيين ويستغلها تحت مسميات مبتدعة، فتراه يقوم ببناء هذه القبور الوهمية ويحذر الجميع من أنها منطقة أثرية ولا يجوز الاقتراب منها، مروجاً لخدعة جديدة تقول بأن في هذه المنطقة يتواجد قبور ليهود مستغلاً قداسة المقابر اليهودية في العالم النابعة من تقديسهم المبالغ فيه للدم واللحم والعظم.
ويوضح د. عمرو الازدواجية والعنصرية التي تعيشها دولة الاحتلال باختلاق وتقديس قبور مصطنعة غير موجودة، في ذات الوقت الذي تزيل فيه عن الوجود أكبر مقبرة إسلامية في القدس، في معركة “حرب المقابر” وهي مقبرة “مأمن الله” فبقي منها 5% بواقع 10 دونمات من أصل 198 دونما وعلى هذه الـ 10 دونمات أيضا شيد الاحتلال ما يسمى “متحف التسامح” رغم وجود كافة الوثائق المثبتة والشواهد والصور لدى دائرة الأوقاف التي تدلل على أحقيه المسلمين بهذه الأرض ووجود قبورهم عليها.
ويتابع: “المقبرة الحقيقية التي كانت لليهود في القدس وتحديدا في جبل الزيتون، منذ العهد العثماني قبل 125 عام ودفن فيها أسلافهم بحكم أنهم كانوا رعايا دولة شأنهم كشأن النصارى، لم تتجاوز الـ10 دونمات، واليوم فاقت هذه الأرض التابعة للأوقاف الإسلامية 300 دونم وتم اجتياح جبل الزيتون بالكامل بهذه القبور الوهمية”.
ويشير جمال عمرو إلى أن 3 أحياء مقدسية ابتليت بمقبرة يهودية صنعت صناعة، وهم جبل الزيتون رأس العامود وسلوان، هذه المقبرة رغم وجود قبور يهودية بها من زمن العثمانيين إلا أن مساحتها لا تتجاوز 10% من مساحة المقبرة اليوم، وذلك لأن اليهود يؤمنوا بأمر يؤمن به المسلمون وهو أن “أرض القدس هي أرض المحشر والمنشر” ويقال عندهم أن الصراط سينصب بين جبل الزيتون وباب الرحمة فهم يعتبرون بأن أقرب اليهود وصولا للجنة سيكونون هم.
ويستدرك د. عمرو: “يعتبر الاحتلال أن كل متر مربع في الأراضي حول المسجد الأقصى وما يسمى الحوض المقدس، يساوي عاصمة عربية كاملة ويجب أن يحاربوا من بيت لبيت ومن شارع لشارع ومن قطعة أرض لقطعة أرض حتى يحصلوا عليها، ومن هنا ندرك أن الاحتلال يحارب في معركة تسمى “حرب المصادر”، والمكان الذي لم يجدوا له بائع يبيعه بالإجبار أو التحايل أو تزييف المعاملات ببساطة يقومون بزرع قبور وهمية فيها ويصادرونها بحجة أنها مكان يهودي مقدس، وهذا ما حصل في حي بطن الهوى وتحديدا في حارة اليمن عندما ادعوا أن يهود اليمن مروا من هذا المنطقة وكذلك الحال في حي الشيخ جراح”.
ويؤكد عمرو أن الاحتلال زرع قبور وهمية في العديد من المناطق في القدس أبرزها حول منطقة القصور الاموية وسلوان ووادي الربابة وجبل الزيتون ومنطقة باب العامود، لافتاً إلى أن العمال الفلسطينيين شاهدين على ذلك الأمر فهم من قاموا بنقل البلاطات والحجارة وحفر مناطق معينة بناءً على طلب الاحتلال، وضع عليه فيما بعد شواهد ولوحات تقول “هنا مكان مقدس .. هنا مقبرة يهودية” ليمكنوا في المستقبل أي يهودي موجود في الغرب من شرائه مقابل مبالغ باهظة تقدر بـ 15 ألف $.
وينوه الباحث إلى أن الاحتلال يتقنص أي فرصة لزراعة قبور وهمية في كل مكان يتاح له في مدينة القدس وذلك يدل على أنه لدى الاحتلال قرار قطعي باعتبار نجاح اليمين المتطرف هو نجاح للفكرة التي تعتبر أنه لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون إسرائيل وأنهم يسيروا على مخطط إحاطة ما يسمى “جبل الهيكل” من جميع النواحي ولا يعترفوا بأي متر مربع لأي أحد آخر فيه فهم لا يريدون تقسيم زماني ولا تقسيم مكاني وإنما المراد ما يسمى “جبل الهيكل” كاملاً فقاموا ببناء حوله أولا ما تسمى بالحدائق التوراتية ثم افتتاح 102 كنيس لم يكن أياً منها موجود ثم مخطط الحوض المقدس الذي يحوي كل ما يدل على ما يسمى “جبل الهيكل”.