معراج -القد
يعد باب العامود الأبهى بين أبواب القدس من حيث الزخرفة والارتفاع الذي يصل إلى حوالي ثمانية أمتار. على مر العصور، كان هذا الباب الممر الرئيسي للقوافل التجارية والزوار المتجهين إلى القدس، مما جعله رمزاً تاريخياً وثقافياً بارزاً.
الباب التاريخي
باب العامود هو واحد من أقدم أبواب القدس، يعود تاريخه إلى عهد الإمبراطور الروماني هدريان في القرن الثاني الميلادي، حيث كان يقع على عمق ثمانية أمتار من موقعه الحالي. في الحقبة الصليبية، كان الباب يقع على مسافة أربعة أمتار من المكان الذي نشاهده اليوم.
في العهد العثماني، تم فتح ستة أبواب في سور القدس، وكانت هذه الأبواب تحمل أسماء المدن أو الجهات التي تطل عليها، مثل باب العامود، باب النبي داود، وباب الرحمة.
أما البناء الحالي لباب العامود، فقد تم في الفترة العثمانية بين عامي 1537 و1539. ويتميز الباب بوجود فتحة صغيرة للحراسة فوقه، بالإضافة إلى تاج كان قد دُمر في زلزال عام 1927، قبل أن تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإعادة تركيبه لاحقاً.
سبب التسمية
سُمي باب العامود بهذا الاسم نسبة إلى عامود من الرخام الأسود بارتفاع 14 متراً، تم وضعه في الساحة الداخلية للباب خلال الفترة الرومانية. كان هذا العامود يستخدم لقياس المسافات من القدس باستخدام حجارة “ملياريس”، ويُعتقد أن هذا المصطلح هو أصل وحدة القياس “الميل” التي نستخدمها اليوم.
ويُعرف باب العامود أيضاً بأسماء أخرى مثل باب دمشق وباب نابلس. تبلغ مساحة ساحته ومدرجاته والدكاكين المملوكية الموجودة عند مدخله حوالي ثمانية دونمات ونصف.
وتضم القدس 13 باباً، منها ثمانية أبواب مفتوحة وخمسة مغلقة. من الأبواب المفتوحة، هناك خمسة أبواب أصلية هي: باب العامود، باب الأسباط، باب الخليل، باب النبي داود، وباب الدمن. إضافة إلى ثلاث فتحات أحدثت بالسور تم تسميتها لاحقاً بأسماء أبواب، وهي: باب الساهرة، باب المغاربة، وباب الجديد.
أما الأبواب المغلقة في القدس، فهي خمسة أبواب، وتشمل باب الرحمة، باب الجنائز، الباب المفرد، الباب المزدوج، والباب الثلاثي.
الباب لم يسلم من الاحتلال
على مر العصور، كان باب العامود الممر الرئيسي لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية المتوجهة إلى القدس، بفضل اتساع مساحته وقربه من الأسواق وطريقه الممهدة التي تؤدي إلى داخل أسوار المدينة. من هذا الباب تتفرع الطرق الرئيسية إلى الأسواق وإلى الأحياء الإسلامية والمسيحية، مثل طريق باب خان الزيت وطريق الواد.
لكن باب العامود لم يسلم من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، الذي استهدف المنطقة في إطار محاولاته لإجراء تغييرات ديمغرافية قسرية. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، بدأت محاولات تقليص عدد المارة من باب العامود، ووصلت ذروتها مع بداية الهبة الشعبية في أكتوبر 2015، حيث بدأ الباب ومحيطه يتحولان تدريجياً إلى منطقة عسكرية.
منذ انطلاق الهبة الشعبية، ارتقى 64 شهيداً من محافظة القدس، منهم 15 شهيداً في منطقة باب العامود، بما في ذلك ثلاثة شبان من قرية دير أبو مشعل في محافظة رام الله، الذين نفذوا عملية طعن وإطلاق نار في الجمعة الثالثة من رمضان 2017.
وفي مؤتمر هرتسيليا السنوي الذي عقد في يونيو 2017، أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان عن 32 عملية نفذها فلسطينيون في منطقة باب العامود في العامين الأخيرين. كما كشف الوزير عن قرارات جديدة تهدف إلى تعزيز المراقبة العسكرية في المنطقة، مثل زرع المزيد من كاميرات المراقبة، وزيادة عدد القوات الخاصة ووحدات الشرطة، ونشر عناصر من جهاز الشاباك بالزي المدني.
بعد الهجومين اللذين نفذهما ثلاثة شبان من دير أبو مشعل في منتصف يونيو 2017، وأسفرا عن مقتل شرطيّة إسرائيلية وجرح مجندين، كثفت قوات الأمن الإسرائيلية من عمليات الاعتقال الاحترازية وزيّنت أنشطتها الإلكترونية لمتابعة ما ينشره الفلسطينيون على وسائل التواصل الاجتماعي عبر وحدة السايبر التابعة للشرطة.
كما أعلن جلعاد أردان عن سلسلة من الإجراءات التي تشمل الإغلاق المفاجئ لباب العامود وكل المحال التجارية القريبة منه، وذلك في إطار تشديد الإجراءات الأمنية في المنطقة.
في خطوة استفزازية، أقدم عدد من المستوطنين على وضع لافتة تحمل اسم “شارع البطلات” فوق لافتة “شارع السلطان سليمان” في المنطقة المحاذية لباب العامود، وذلك تكريماً للمجندة الإسرائيلية التي قُتلت في عملية باب العامود.
وفي ذات السياق، توجهت عشرات العائلات الإسرائيلية برسالة إلى رئيس بلدية الاحتلال، نير بركات، تطالبه فيها بتغيير اسم “شارع السلطان سليمان” إلى اسم المجندة “هداس ملكا”، التي قُتلت مؤخراً في نفس المنطقة، في محاولة لتكريس السيطرة الإسرائيلية على المعالم التاريخية بالقدس.
القرار بشأن مستقبل اسم الشارع، الذي دُشّن في فترة حكم السلطان العثماني سليمان القانوني، سيكون مرتبطاً بتصويت أعضاء لجنة تسمية الطرقات في بلدية الاحتلال. هذا التصويت قد يؤدي إلى تغيير اسم “شارع السلطان سليمان” ليُسمى باسم المجندة “هداس ملكا” التي قتلت في عملية باب العامود.
في 3 مارس/آذار 2017، قام أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المتشدد، بجولة تفقدية في منطقة باب العامود بعد تبادل لإطلاق النار بين فلسطينيين وجنود الاحتلال. رافقه في الزيارة قوة كبيرة من جنود الاحتلال، وسط تصاعد التوتر إثر استشهاد سبعة فلسطينيين، ومقتل أميركي، وجرح 15 إسرائيلياً في سلسلة من الهجمات والعمليات قبل يومين من الزيارة.
وفي أبريل/نيسان 2017، نظمت مجموعة من المستوطنين رقصات تلمودية استفزازية في باحة باب العامود، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي 22 يونيو/حزيران من نفس العام، أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان أن الحكومة الإسرائيلية ستعمل على تغيير الوضع في منطقة باب العامود بشكل كامل بهدف “إحباط العمليات الفردية المتصاعدة” في المنطقة. وفي 14 يوليو/تموز 2017، أغلقت قوات الاحتلال باب العامود بشكل كامل، وحولته إلى منطقة عسكرية مغلقة، وفرضت إجراءات أمنية مشددة، بما في ذلك الإغلاق المفاجئ ومنع دخول غير سكان البلدة القديمة عبره.