بقلم: وسام أبو شمالة
قرّر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف اقتحام قطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى حتى نهاية شهر رمضان المبارك، الأمر الذي عارضه وزراء “الصهيونية الدينية” في حكومته، ورآه إيتمار بن غفير خطأ فادحاً لن يجلب الهدوء، بل قد يؤدي إلى تصعيد الموقف.
جاء قرار نتنياهو بعد سلسلة من الأحداث التي تفاعلت بعد اعتداء قوات العدو على المعتكفين في المسجد الأقصى، بهدف إفراغه من المصلين تمهيداً للاقتحامات المكثفة التي يقوم بها قطعان المستوطنين أثناء عيد الفصح اليهودي، على نحو أدى إلى اشتعال “معركة رمضان” في مختلف الساحات والجبهات، واستدعى ردود فعل دولية وإقليمية تراوحت بين إدانة حكومة العدو وتحميلها المسؤولية بسبب عدوانها غير المبرر على المصلين المسالمين.
شكّلت التطورات المتسارعة في فلسطين المحتلة فشلاً ذريعاً للخطط التي تبنتها قمتا العقبة وشرم الشيخ الأمنيتان، اللتان عُقدتا في ضوء تقدير الموقف الاستخباري للعدو والإدارة الأميركية بأن مؤشرات التصعيد في شهر رمضان عالية، الأمر الذي يحتاج إلى مسارات عمل لنزع فتيل التوتر.
وقد تم توزيع الأدوار على الأطراف المشاركة، والتي تراوحت بين تكثيف العمل الأمني المسبق للعدو داخل القدس ومحيطها، وتنفيذ عمليات أمنية بهدف الإحباط المسبق، مثل نشر المزيد من القوات الأمنية واحتجاز مئات المقدسيين، والاتفاق مع الأوقاف الأردنية على منع المصلين من الاعتكاف في المصلى القبلي في الليالي التي تسبق اقتحام المستوطنين للأقصى في فترة الصباح قبل العشر الأواخر من رمضان، وفي ضوء خطط التقسيم الزماني التي عكف العدو على تنفيذها منذ سنوات، على أن يعقبها تقسيم الأقصى مكانياً.
تمثل دور السلطة في رفع مستوى التنسيق الأمني في ساحة الضفة الغربية، من أجل إحباط العمل الفدائي المتصاعد، في ضوء مؤشرات ارتفاعه في شهر رمضان، فيما تقوم مصر بدور الوساطة لتهدئة الموقف على جبهة قطاع غزة.
وقد أشرفت الإدارة الأميركية على الخطط عبر لجنة أمنية وسياسية أبقتها في المنطقة، إلا أنَّ النتيجة الماثلة أمامنا بعد مضي نحو 3 أسابيع على بداية شهر رمضان المبارك هي صفر كبير، وإخفاق على كل المستويات، ولكلّ الأطراف، وتحديداً العدو وحكومته الفاشية.
اندلعت شرارة “معركة رمضان” ليلة الرابع عشر من الشهر الفضيل، في 5 نيسان/أبريل، عندما وثقت كاميرا المعتكفين في المصلى القبلي داخل المسجد الأقصى اقتحام قوات العدو باحات المصلى القبلي، وما صاحبه من اعتداء همجي على المصلين بهدف إفراغ المسجد منهم، وارتفاع أصوات النساء والرجال بالتكبير، وإصابة واعتقال المئات منهم.
وقد أظهرت مقاطع الفيديو قوات العدو وهي تعتدي على المصلين أثناء الصلاة وتقطع صلاتهم، وكشفت صور أخرى اعتداءات وحشية على النساء داخل باحات المسجد.
كان لتلك الصور والمشاهد وقع الصدمة والذهول، على نحو أطلق معركة رمضان في مختلف الساحات والجبهات، فقد شهدت الضفة الغربية المحتلة العشرات من عمليات إطلاق النار على مواقع العدو والمستوطنين، وأسفرت عملية فدائية عن مقتل 3 مستوطنات في منطقة الأغوار، وأسفرت عملية دهس عن قتلى وجرحى في “تل أبيب”.
وشهدت مدن فلسطينيي الداخل المحتل وقراهم مواجهات مختلفة، وأُطلق نحو 34 صاروخاً انطلاقاً من الجبهة اللبنانية، و3 صواريخ من الجبهة السورية، وعشرات الصواريخ من ساحة قطاع غزة، على نحو تجسّدت في معركة رمضان معادلة وحدة الساحات والجبهات التي رسمت مسارها معركة “سيف القدس” في رمضان في أيار/مايو 2021.
أربكت معركة رمضان حسابات العدوّ وتوجهاته، كما أربكت حلفاءه وشركاءه في قمتي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين. حاول العدو منذ معركة “سيف القدس” إجهاض معادلة الربط بين الساحات التي أرستها المعركة، وسعى للفصل بين الساحات، وإذا بمعركة رمضان تطور المعادلة من ربط الساحات إلى وحدة الساحات والجبهات، على نحو دفع العدو إلى استدعاء سرايا ما يسمى “حرس الحدود”، ونشر كتائب إضافية في الضفة الغربية المحتلة، واستدعاء قوات الدفاع الجوي.
وقد أجبر العدو على التسليم بمعادلة المقاومة، وقام بشن عدوان “محدود” على مختلف الجبهات (الفلسطينية واللبنانية والسورية)، وباتت خشيته من المواجهة الواسعة متعددة الجبهات أكثر إرباكاً لموقفه وحساباته.
هذا الأمر دفع نتنياهو إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات التي جسّدت انتصار المقاومة في معركة رمضان، أبرزها قراره منع اقتحام المستوطنين باحات المسجد الأقصى في العشر الأواخر من رمضان، ما يعدّ صورة نصر للمقاومة على العدو، على نحو سينعكس إستراتيجياً على معادلة الردع وعلى الوضع الإستراتيجي لكلّ من العدو ومحور المقاومة، وهو ما سنتناوله في مقالات لاحقة بإذن الله.