واحدة من أكثر السيناريوهات الغير متوقعة تعرض لها كيان الاحتلال خلال الأسبوع الماضي، وذلك إثر تنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية موزعة على 6 جبهات اشتعلت ضد “إسرائيل” بالتزامن مع “عيد الفصح” اليهودي.
الشارع الإسرائيلي أشار إلى أن “عيد الفصح” هذا العام سيبقى محفوراً في الذاكرة الإسرائيلية بأنه أكثر الأعياد توتراً منذ سنوات طويلة، وذلك في ظل اجتماع جميع الجبهات بعمليات مختلفة في وقت واحد، حتى بات التصعيد سمته الأبرز.
فمن إطلاق رشقة صاروخية من قطاع غزة تجاه الغلاف، تلتها رشقات متتالية من الصواريخ تجاه الجليل المحتل شمال فلسطين قادمة من لبنان في اليوم التالي، وجبهة الجولان السوري التي فتحت خلال عيدهم كذلك، إلى عمليات نوعية أولها كانت عملية إطلاق نار في الأغوار تسببت بمقتل مستوطنتين إسرائيليتين وإصابة ثالثة، والأخرى عملية الدهس في تل أبيب التي أوقعت قتيلاً وعدة إصابات.
كل ذلك تزامن مع مواجهات عدة خلال “العيد اليهودي” في المسجد الأقصى ومدن الداخل المحتل، سيما في أم الفحم، حيث تحصن العشرات من المواطنين الفلسطينيين في المسجد الأقصى ورفضوا الخروج، في محاولة لمنع اقتحام المستوطنين والتصدي ومنع ذبح القرابين في ساحات المسجد.
مفاجآت على الساحات قلبت المعادلة ..
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد والباحث المقدسي د. ناصر الهدمي، قال إن الاحتلال حاول عن طريق الإرهاب بالقوة اقتحام الأقصى وإخراج المعتكفين بالقوة كما شهدنا ليلتي الأربعاء والخميس الماضيتين، من باب الإصرار على أنه وحده من يقرر ويملك زمام السيطرة في المسجد الأقصى المبارك، الأمر الذي أدى لتفجير الأوضاع في كل فلسطين.
وأشار الهدمي خلال حديثٍ خاص لـ معراج” إلى أن ما جرى من أحداث على الساحة الفلسطينية أرسل رسائل واضحة للاحتلال وللعالم أجمع، أهمها أن المسجد الأقصى المبارك “خط أحمر” بمعنى الكلمة وليس شعارات أو تهديدات فحسب، وأظهر بأن الشارع هو من يقود الساحات في إثبات هذه المعادلة.
وأوضح الهدمي أن المفاجآت التي حدثت على الساحة الفلسطينية، سواءً الصواريخ التي خرجت من لبنان، أو حالة الثوران التي شهدها الداخل الفلسطيني، أو ما يتعلق بقدرة حماس على ضبط قطاع غزة من الدخول في مواجهة عسكرية لا ترغب بها، دلّلَ على قوةٍ وتخطيطٍ استراتيجي كبيرين.
واستدرك الهدمي “هذا الواقع كان مفاجأة للاحتلال ونبّهه لحجم الخطر المترتب على المساس بالمسجد الأقصى، ودلل على وحدة عناصر قوة الشعب الفلسطيني أو ما تم تسميته بـ “وحدة الساحات”، الذي كان من الممكن أن يُجمّع الشعب الفلسطيني كله ويقوده إلى ثورة حقيقية بعناصر قوة كثيرة في عدة مناطق.
وأضاف: “ما جرى من أحداث نوعية أثر بشكل كبير على ردة فعل الاحتلال وقدرته على التعامل مع الأحداث فيما بعد، فحينما ضُرب من لبنان شاهدنا تخبطه وعدم جهوزيته في هل سيكون رده على لبنان أم قطاع غزة وكيف ستكون حدة الرد قوية تجره لمواجهة عسكرية أم رمزية لرد الاعتبار فحسب”.
وأكّد الهدمي على أن انعكاس الأحداث السابقة كان واضحاً جداً على سلوك الاحتلال في المسجد الأقصى، ففي بداية الأمر حاول الاحتلال أن يمنع الاعتكاف بشكل كلي في المسجد الأقصى كما جرى ليلتي الأربعاء والخميس وكان هناك ترقب كبير من قبل المستوطنين إلى كيفية تصرف الحكومة بعد تعرضها لكل هذه التهديدات، ولكن ما قام به الاحتلال هو استخدام أسلوب “الحيلة”، فأغلق الأبواب على المعتكفين ومرر الاقتحامات.
ولفت إلى أن تمرير الاقتحامات بهذه الطريقة أسلوب “تضليل” حاول الاحتلال من خلاله أن يضبط الموقف الدولي الرافض لاستخدام القوة، كما حاول أن يقنع الفلسطينيين بأنه أتاح لهم الاعتكاف وسمح لهم بما يريدون، رغم أن القضية الجوهرية هي ليست الاعتكاف بل “الاقتحامات” بحد ذاتها.
وأضاف الهدمي: “لا يجوز لنا أن نشعر أننا أنجزنا في قضية فرض الاعتكاف وحققنا مرادنا، فقضيتنا الأساسية هي قضية الاقتحام وسيطرة الاحتلال على المسجد الأقصى وتدنيسه للمقدسات ومحاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني، وهذه القضية ما زالت قائمة ولازال هو المسيطر”.
“الرباط” ومدى تأثيره في ردع سلوك الاحتلال
وفي سياقٍ متصل، قال الهدمي: “لا شك بأن الرباط في ساحات الأقصى أمرٌ مهم، ولكن علينا أن نعي تماما بأن العنصر المؤثر في عدد المرابطين والمصلين في المسجد الأقصى المبارك بيد الاحتلال ويتمثل في الحواجز التي تفرضها سلطاته، وعلينا أن نعي مدى تأثير هذا العنصر في استراتيجياتنا في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك.
وشدد على أن “سلاح” الرباط الذي يستخدمه الفلسطينيين في الدفاع عن الأقصى هو سلاح لا يمتلك الفلسطينيين السيطرة عليه بشكل كامل وللاحتلال يد كبيرة في السيطرة عليه، والدليل تراوح أعداد المرابطين والمصلين وتراجعها في بعض الأحيان بسبب القيود والحواجز التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين سواءً أهل الضفة أو الداخل أو القدس.
وأشار الهدمي لـ “معراج” أن هذا الأمر يمثل نقطة ضعف كبيرة جداً تُحتّم على الفلسطينيين ألّا يرهنون أنفسهم ودفاعهم عن المسجد الأقصى بيد الاحتلال في هذا الأمر.
وتابع: “قضية “الرباط” لا تعتبر أهم وأقوى المؤثرات في الدفاع عن المسجد الأقصى، وشاهدنا أن أبرز المؤثرات التي ردعت الاحتلال في قضية المساس بالأقصى كانت من خارج مدينة القدس، لذا يجب علينا أن نركز في استراتيجياتنا الأقدر على ردع الاحتلال من المساس بالأقصى.
“الأوقاف”.. عكست صورة سيئة عن دورها
وحول دور دائرة الأوقاف الإسلامية لفت الهدمي إلى أن الأوقاف ضعيفة إلى درجة أنها لا تستطيع أن تقرر ما إن كان هناك اعتكاف في الأقصى أم لا، وما خرج من تصريحات ما هو إلا لذر الرماد في العيون.
وأوضح أن بيان الأوقاف حول قضية الاعتكاف جاء متماهياً مع إرادة الاحتلال، بعد دراسة المعطيات الموجودة أمامها وعلى رأسها شروط الاحتلال، لافتاً إلى أن هذا الأمر أضعف صورة الأوقاف وعكس صورة سيئة عن دورها.