بقلم: مصطفى أبو السعود
تُرى ما الذي يجعل أي فريق أو مكون سواء كان عسكرياً أو مدنياً بتفرعاته العديدة، يختار رايةً أو علماً خاصاً به؟ وما الرسالة التي يريد إيصالها أي جيش حين يضع علمه فوق المنطقة التي يسيطر عليها؟
الإجابة ببساطة: حتى يقول للآخرين “نحن هنا، وهذه البقعة لنا، ونحن أصحاب السيطرة”، فالعَلَمُ هو أحد أهم الرموز الدالة على مظاهر السيادة وهيبتها، كما النشيد الوطني والعملة وغيرهما، وهو بمنزلة الهُوية البصرية logo، ويعبر عن فلسفة المؤسسة أو المنظمة أو الدولة وثقافتها، وماضيها وحاضرها ومستقبلها، والعلم من حيث ألوانه وحجمه وما به من رموز وأشكال وكلمات جاء بعد دراسة عميقة من الدولة، يعني ليس اعتباطياً أو ارتجالياً، بل لها دلالات ذات مغازٍ، لدرجة أن “هيرتزل” مؤسس الحركة الصهيونية اقترح في كتابه “الدولة اليهودية” أن يكون علم الدولة التي ينوون إقامتها (أبيض به سبعة نجوم ذهبية اللون، ترمز المنطقة البيضاء إلى حياتهم الجديدة النقية، في حين ترمز النجوم إلى الساعات الذهبية السبع التي يتكون منها يوم عملهم، لأنهم سوف يسيرون إلى الأرض الموعودة حاملين شارة الشرف).
حتى في الاجتماعات الدولية ترى أعلام الأطراف المجتمعة موجودة، وهذا تأكيد على الحضور، كما أن الدولة ترفع علمها فوق سفاراتها في خارج حدودها وفي سفنها وبواخرها وبوارجها وبعثاتها الدبلوماسية إشارة منها على سيادتها على تلك الأماكن، وبعض الدول تضع فيه شجرة الأرز كما لبنان، وبعضها تضع نجوما، وبعضها تكتب كلاما مثل: “الله أكبر” كالعراق، ولا إله إلا الله محمد رسول الله، كما السعودية، ودول تضع الصليب في علمها مثل سويسرا والسويد، والدنمارك والنرويج، كما أن الوحدات العسكرية لأي دولة تبدأ يومها بطابور عسكري برفع العلم وإعطائه التحية.
الداعي لما سبق أننا لاحظنا إصرار المستوطنين الصهاينة على تنظيم مسيرة الأعلام في القدس والمسجد الأقصى، وهذا الأمر ليس نابعاً من فراغ، بل إنهم يرون في ذلك تأكيدا على سيادتهم على القدس والمسجد الأقصى، فما كان منا نحن الفلسطينيين إلا أنْ رفعنا العلم الفلسطيني في كل مكان وخاصة في القدس دليلًا على أحقيتنا بالقدس والمسجد الأقصى، وكأنها رسالة “العلم بالعلم”.
صحيح أن مشهد رفرفة الأعلام الصهيونية في باحات المسجد الأقصى قد آلمنا نفسياً، وأشعر المستوطنين بنشوة الانتصار، لكن رفرفة علمنا في كل بلادنا آذى الصهاينة لدرجة أنهم قدموا مقترح قانون لحظر رفع الأعلام الفلسطينية فوق المنازل وفي الشوارع.
وفي تحليل لعلم دولة الاحتلال، فقد تعددت التحليلات ما بين أنه يرمز إلى تطلع اليهود للسيطرة على بلاد العرب من النيل إلى الفرات، وهذا يعكسه الخطان الأزرقان في العلم وما بينهما من مساحات بيضاء، في حين تحليل آخر يرى أن اللون الأزرق إيحاء من وشاح الصلاة اليهودي، ويشير إلى لون السماء الصافية في الديانة اليهودية، واعتاد الملوك في العصور الغابرة ارتداء اللون الأزرق الفاتح، وأن اللون الأبيض يدل على النقاء أي الجانب الروحي، وبين الخطين الأبيضين والأزرقين توجد النجمة السداسية التي ترمز لنجمة داود، كما يرى اليهود.
يبقى القول واجبا إن الدفاع عن العلم يعادل الدفاع عن الهوية، فالعلم أكبر من قطعة قماش كما يراها البعض، وسنبقى نردد ما تعلمناه: (رفرف رفرف يا علمي زينة راية الأمم).