بقلم: أ. د. يوسف رزقة
قلنا في مقالات سابقة لا تقتربوا من المسجد الأقصى. من يقترب من الأقصى بسوء يحترق بناره. التاريخ يقول هذا وأكثر، فقد جاء المظفر صلاح الدين من كردستان لتحرير الأقصى من الاحتلال الصليبي، الذي أهان المكان والمكين في الأقصى، وجعله مجمعا للنفايات والقاذورات.
صلاح الدين المسلم القادم من بلاد الأكراد لم يكن فلسطينيا، ولا مقدسيا، بل كان مسلما، وهذه صفة كافية لكي يأتي إلى الأقصى محرِّرا، ومعاقِبًا من أساؤوا إلى أُولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقطة البداية في معراجه.
جاء صلاح الدين يقود جيشا من المسلمين أفراده من بلاد شتى، وهمهم إنقاذ الأقصى من الغاصبين، وإعادته للإسلام والمسلمين، وما كان من صلاح الدين، وعهده، ليس خاصا به، بل هو عام لكل مسلم حيثما كان، وفي هذا تحذير تاريخي لدولة الاحتلال التي تستعجل اقتحاماتها الأخيرة للمسجد الأقصى صلاحا جديدا، قد يكون فلسطينيا، وقد يكون غير فلسطيني، ولكنه في الحالتين هو مسلم يعمل لأنبل عمل يمكن أن يقوم به مسلم في عصرنا الحديث، ألا وهو إنقاذ الأقصى من سطوة الاحتلال الصهيوني والمغتصبين الذي اعتدوا على المكان والمكين دون رادع من قانون، أو خوف من غضبة إسلامية.
قلنا لا تقتربوا من الأقصى، ولكن حكومة بينيت تمادت في غيها، وحمت اقتحامات المتطرفين، فكانت النتيجة أن بدأ العد التنازلي لسقوط حكومة بينيت، التي تنتظر يوم الأربعاء قرار حجب الثقة عنها بعد أن تحولت لحكومة أقلية بـ (٥٩) صوتا فقط، وهذا يعني أن سقوط الحكومة سقوط راجح، ولو ابتعدت هذه الحكومة عن الأقصى، وأبعدت المتطرفين، لربما بقيت حكومة أغلبية بسيطة، وقادرة على الاستمرار.
كان يمكن لبينيت وحكومته إذا لم يأخذوا العبرة من التاريخ، فإن لم يعجبهم التاريخ، فيجدر بهم أن يأخذوها من (شارون) حين اقتحم الأقصى، فاندلعت بسببه انتفاضة الأقصى، واشتعلت مقاومة المحتل في كل مكان لا في القدس فحسب، بل وفي الضفة وغزة، وما زالت انتفاضة الأقصى تستمد وقود البقاء من المسجد نفسه، ومن ثمة حذرت بعض جنرالات الأمن في دولة الاحتلال من وجود فرص كبيرة لانتفاضة ثالثة، في ضوء أحداث الأقصى والعمليات الفردية التي ردت على الاقتحامات بالآلية التي تفهمها حكومة الاحتلال.
إذا أردتم تأجيل تفجر انتفاضة ثالثة فاتركوا الأقصى للمسلمين، ولا تقتربوا من الأقصى، ولا تمارسوا الاقتحامات، ولا تعملوا على تقسيمه، فلن يقبل بذلك مسلم قط، وإنكم بعدوانكم تستعجلون صلاحا جديدا، وهو قد يأتيكم من رجال (سيف القدس)، أو من خارج (سيف القدس). الأقصى يحرق عادة من أراده بسوء.