واتساب معراج

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

تلاشى الاستقرار والهدوء من فلسطين منذ عقود، حيث أصبح القتلة يثيرون شبح الموت في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ تدابير فعالة وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصكوك القانونية الدولية، بما في ذلك معاهدات جنيف التي تحدد السلوك المطلوب أثناء الاحتلال العسكري. ونتيجة لذلك، تستمر انتهاكات الاحتلال بحق التعليم، مما أعاق قدرة قطاع التعليم الفلسطيني على إعمال الحق في التعليم للطلبة في جميع المراحل التعليمية. وفي هذا السياق، لا يزال العديد من الطلبة الفلسطينيين محرومين من التعليم الذي يُعتبر فعلاً تحرريًا، إذ حُرم أطفال غزة جميعهم من التعليم خلال العام الدراسي 2023/2024 بسبب العدوان، وعلاوة على ذلك، جاءت التصريحات اللاإنسانية لزعماء الإبادة والتطهير العرقي (الإسرائيليين)، حيث وصف وزير الحرب الفلسطينيين بـ “حيوانات بشرية”، مؤكدًا عدم توفير الماء والغذاء والوقود، ومتجاهلاً قرارات الأمم المتحدة وعدم احترام القانون الدولي، مما يزيد من حدة التوتر ويعكس الوجه القبيح غير الأخلاقي لسياسة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.أدى العدوان على غزة إلى دمار شامل للمجتمع وانهيار المنظومة التعليمية، حيث دُمرت المساكن والمدارس والجامعات، وقضى شبح الموت على أحلام الطفولة وآمال الطلبة، تاركًا ندوبًا وتشوهات روحية واجتماعية في الكل الفلسطيني. ولعل أبرز آثار الإبادة الجماعية التي طالت التعليم هو تصنيف مجموعة بيانات مواقع النزاع المسلح (ACLED) هذه الحرب ضمن المراكز الثلاثة الأولى من حيث مستوى أعمال العنف والخطر على المدنيين. وقد أشارت مصادر وزارة الصحة الفلسطينية إلى ارتفاع حصيلة العدوان (الإسرائيلي) إلى ما يزيد عن 40,800 شهيد و94,300 إصابة منذ بدء العدوان على غزة حتى 2 أيلول 2024، ولا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات.يُعَدُّ استهداف الأطفال والنساء والشيوخ من أبرز مظاهر وحشية هذه الحرب، وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن غزة أصبحت “مقبرة للأطفال”، حيث يشكل الأطفال 47.3% من سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة. وتفيد الصحة العالمية أنه يُقْتَل طفل كل 10 دقائق، منهم أكثر من 10 آلاف طالب مدرسي. ووفق بيانات وزارة التربية والتعليم، كما ويُحرم 630 ألف طالب من الوصول إلى مدارسهم، منهم 39 ألف طالب حُرِموا من التقدم لامتحان الثانوية العامة. كما ارتقى أكثر من 10,000 طالب شهيد وما يزيد عن 15,400 طالب جريح، بالإضافة إلى 88 ألف طالب جامعي محرومين من الالتحاق بجامعاتهم، منهم أكثر من 660 شهيدًا و1,320 جريحًا. يأتي ذلك في ظل تعرض ما يزيد عن 88% من المباني التعليمية لتدمير كلي أو أضرار بين بليغة ومتوسطة، وما تبقى منها، رغم تعرضه للاعتداءات، يُستخدم كمراكز إيواء.أوجد العدوان صورة مأساوية للوضع التعليمي في فلسطين، فقد حوّل الأطفال إلى ضحايا، حيث شهدوا أهوالاً مؤلمة. أفادت منظمة (اليونيسف) بتهجير 1.7 مليون شخص، نصفهم أطفال، يعانون من نقص الماء والطعام، بينما تغمر الأمطار الخيام، مما يزيد من سوء التغذية. إذ إن 9 من كل 10 أطفال في قطاع غزة يفتقرون إلى العناصر الغذائية الكافية، وسيستمر أثر هذا العنف بحق الأطفال إلى الأجيال القادمة، حيث أصبح أكثر من 17,000 طفل في سن التعليم أيتامًا.كل ذلك يأتي في ظل وضع اقتصادي صعب ألقى أعباء ثقيلة على الأسر، حيث أفادت تقارير منظمة العمل الدولية بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع بنسبة 80%، إضافة إلى قرصنة الاحتلال للعائدات الضريبية التي ألقت بظلالها على مجمل الحياة الفلسطينية وضعف قدرة المؤسسات، وخاصة التعليمية، على تحمل مسؤولياتها، مما أثر سلبًا على الطلبة والكوادر التعليمية وزاد من الضغوط النفسية والاجتماعية.في ظل حالة الإبادة الجماعية في غزة وما رافقها من إبادة للمعرفة والتعليم بشكل عام، تُعد حماية التعليم أولى الأولويات، باعتبار التعليم أمنًا قوميًّا ومجتمعيًّا. إن العودة إلى التعليم تتطلب تدخلات تعتمد فلسفة التعليم المبنية على التحسين الدائم وتطوير الأداء، ومن أبرزها:أولاً: تدخلات توفير أماكن لاستئناف التعليم: توفير أماكن مؤقتة لاستئناف الدراسة مثل: المؤسسات العامة والخاصة والمساكن التي ما زالت صالحة للاستخدام البشري، ويمكن إقامة الخيام في الساحات أينما كان ذلك ممكنًا، وتطبيق نظام الفترات حتى ترميم المدارس تباعًا بما يحفظ الأمان والسلامة العامة. العمل على إخلاء المدارس من النازحين بالتدريج وفق الإمكانيات من خلال تأمين مساكن لهم، من أجل استعادة الحياة المدرسية.ثانياً: تسريع التعلّم للطلبة: التركيز على المواد الأساسية: تعزيز مهارات القراءة والرياضيات في المرحلة الأساسية الأولى، والمزيد من التركيز على اللغات، والرياضيات، والعلوم في الصفوف الأخرى. تحديد المهارات والمفاهيم الضرورية للتعلم في السنوات التالية، مع التركيز على النتاجات التعليمية، واستخدام الرزم التعليمية للمناهج الفلسطينية التي أعدتها الوزارة ونفذتها في العام 2020/2022 وَفق الأصول. مواءمة التعليم وفق مستويات إتقان الطلبة، وتجميعهم في مجموعات حسب احتياجاتهم، وتخصيص محتوى تعليمي يتناسب مع الفروق الفردية، وتوظيف استراتيجيات التعلم النشط. توظيف استراتيجيات تدريس تتناسب مع السياقات المستحدثة نتيجة العدوان، والتي يعتبرها المعلم مناسبة، مثل: التعلم القائم على المشكلات، واستخدام التكنولوجيا في التعليم، والتعلم النشط، والتعليم المتمايز، بالإضافة إلى تعزيز التعاون والشراكة، وتطبيق التقويم المستمر، وغيرها. ثالثاً: الدعم النفسي والاجتماعي: تنفيذ أنشطة ثقافية وبرامج للدعم النفسي والاجتماعي للطلبة والمعلمين والأهالي، لتخفيف الضغط النفسي، وحالات الاكتئاب، والقلق، والعزلة. تفعيل دور المرشدين التربويين لمعالجة الآثار النفسية السلبية لدى الطلبة، وأطراف المجتمع التربوي كافة، والتواصل بطرق ملائمة مع الطلبة، خصوصًا ذوي الإعاقة. تشجيع المؤسسات الأهلية بالمشاركة في تنفيذ برامج وأنشطة غير رسمية، مع ضرورة توفير خدمات استشارية نفسية للطلبة والمعلمين بشكل مستمر.رابعاً: التدريب والتطوير المهني: تنظيم ورش عمل لتدريب المعلمين وتنمية قدراتهم على استراتيجيات التعلم النشط التي تعزز التعليم الذاتي والتعاون المشترك والتعامل مع الأزمات مثل التعلم باللعب، والتعلم بالدراما، والحوار والمناقشة، والأنشطة التناظرية، وحل المشكلات، والتعلم التعاوني، ولتعلم المعكوس، والتعلم التعاوني، والتعلم التشخيصي، والتعلم بالتجربة، والتعلم بالمحاكاة. والتعلم بالمشروع، وغيرها. تعزيز القدرة على الاستجابة الفعالة، مما يساهم في حماية الطلبة وتقليل الأضرار النفسية والاجتماعية. تصميم البرامج التدريبية بعناية لتلبية احتياجات الأفراد والفرق في الظروف الصعبة.خامساً: استخدام التكنولوجيا إحلال أنماط تعلم بديلة تتواءم مع الوضع المستجد، من خلال تدريب المعلمين والإداريين على التعامل الفعّال مع الوسائل التكنولوجية جميعها، سواء كان متزامنًا أو غير متزامن؛ بما يستجيب لعدم توفر الإنترنت، أو عبر شبكة الإنترنت في حال توفرها. استخدام التكنولوجيا لتوفير موارد تعليمية عبر الإنترنت في حال توفرها، ويمكن استخدام محتوى رقمي معد مسبقًا على أقراص أو فلاشات. وفي حال عدم توفر أجهزة حاسوب منزلية، يمكن تزويد الطلبة بمواد ورقية خاصة للطلبة الذين لا يستطيعون الوصول إلى أماكن التدريس المؤقتة.سادساً: التعاون والشراكات. مدّ جسور التعاون مع مؤسسات المجتمع المحلي كافة، وصياغة فرص شراكة حقيقية لدعم البرامج التعليمية وتوفير الموارد. إشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية من خلال ورش عمل وندوات لزيادة الوعي بأهمية التعليم.سابعاً: التقويم توفير تغذية راجعة فورية تساعد الطلاب والمعلمين على تحديد نقاط القوة والضعف. استخدام نتائج التقييمات لتحسين استراتيجيات التعلم والتدريس، مما يعكس مبدأ التحسين المستمر. تعزيز مشاركة الطلاب في عملية التقويم، مما يساهم في تحسين النتائج التعليمية. إجراء تقييمات دورية لقياس فعالية البرامج التعليمية والتدخلات، وتعديلها حسب الحاجة بشكل دوري ومستمر، بدلاً من الاعتماد على الامتحانات النهائية فقط.

مشاركة.

اترك تعليقك