أعلن فلسطينيون، مساء أمس الخميس، عن افتتاح الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك، وذلك لليلة الثانية على التوالي.
وأعلن مرابطون ومعتكفون في رحاب الأقصى المبارك عن نيتهم المكث في المسجد من باب التعبد والدفاع عن المسجد في وجه الاقتحامات المرتقبة له خلال “عيد الفصح” اليهودي.
وجاء في لافتة علقها مرابطون في عدة مرافق من المسجد: “نعلن عن فتح باب الاعتكاف في المسجد الأقصى من مساء الخميس 23/3/2023، وحتى نهاية الشهر الفضيل”.
ويذكر بأن فتح باب الاعتكاف هذا العام في المسجد الأقصى منذ ليلة الصيام الأولى في رمضان يعدّ سابقة لم تحصل منذ احتلال الأقصى إلا في سنة واحدة وهي 2015.
الباحث في الشأن المقدسي والخبير في تاريخ القدس والمسجد الأقصى د. جمال عمرو يقول في حديث خاص لـ “معراج”، إن الشعب الفلسطيني يشعر بحجم هائل جداً من الخطر الذي يحيط بالقضية الفلسطينية، ويشعر بخطر استثنائي على المسجد الأقصى المبارك بعدما استلمت حكومة فاشية عنصرية سدة الحكم وهي بالأمس القريب كانت عبارة عن منظمات إرهابية متطرفة معروفة لدى العالم بشدة تطرفها وخطورتها.
وينوّه د. عمرو إلى أن الاحتلال عندما سمح للمعتكفين ببدء الاعتكاف وإعلانه منذ اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، إنما صمت عن تواجد ثلة قليلة من كبار السن وأخرج الشباب بهدف تحقيق أمرين: الأول، تلافي مواجهة مبكرة مع الأردن وسائر الدول العربية وخاصة بعد خطاب سموترتش العنصري في باريس، وأيضاً كشكل من أشكال الممالأة مع أمريكيا بعدما اهتزت العلاقة في الآونة الأخيرة بسبب قضية الإصلاحات القضائية.
ويتابع: “الأمر الآخر والأهم بحسب تقديري هو التأسيس لمرحلة جديدة من ربط زمام الأمور بيد الشرطة الإسرائيلية عبر عدة مهام سنشهدها في المرحلة القليلة المقبلة، أبرزها تنظيم دخول المستوطنين والحاخامات المتطرفة والمرشدين بحماية الشرطة والكاميرات شديدة الدقة المنصوبة أعلى الرواق الغربي في تقسيم زماني ومكاني”.
ويرى الباحث أن هذه التسهيلات “الوهمية” يقف خلفها أهداف خفية تتمثل بالتحضير لأسبوع دموي مأساوي سيكون في الأسبوع الثالث من شهر رمضان والذي يتزامن مع “عيد الفصح العبري” الذي سيشهد اقتحامات للمستوطنين بأعداد هائلة وممارسة لطقوس تلمودية وتقديم للقرابين، فالسماح للفلسطينيين بالاعتكاف بالقيود والشروط التي فرضتها الشرطة ما هو إلا حجة يريد الاحتلال من خلالها أن يلجم بها لسان الفلسطينيين أمام العالم بأنهم قد أخذوا حقوقهم بممارسة شعائرهم بكل حرية، ولذلك لا يمكن اعتبار بأن صمت الإسرائيليين عن إعلان الاعتكاف صمت أو من باب حسن النوايا.
كيف يمكن أن ينظم الوجود الفلسطيني المكثف في شهر رمضان لإفشال مخططات الاحتلال؟
وأكد د. عمرو بأن معركة الوعي والمعرفة والتحليل الأصوب والأدق للمواقف هي من ستكون الأهم في الأيام القليلة المقبلة، واصفاً المرحلة القادمة بأنها “كسر عظم” ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر، ومشيراً إلى أن الدليل الأبرز على ما تم ذكره، هو قيام بعض الإرهابيين من القوات الخاصة ممن يتحدثون اللغة العربية الليلة الماضية بالاندساس بين المقدسيين في منطقة باب العامود لصنع فتنة عظمى تم على إثرها اعتقال الشباب المقدسيين، ولافتاً إلى أن ما جرى هو مسرح تحضيري لما سيحدث لاحقاً فالاحتلال يخطط ويجهز منذ اليوم الأول.
وشدد عمرو على أن علينا كمقدسيين أن ننتبه كيف ستكون معركة الوعي ونعظم نقاط القوة، بمعنى أن انحناء الاحتلال قليلاً “بشأن الاعتكاف” كتوطئة لما يريد فعله، يجب أن يُستَغل بالشكل الأمثل وألا يصل منتصف هذا الشهر إلا وأعداد المعتكفين قد تعاظمت وملأت جنبات الأقصى شيوخاً وشبابا، مشدداً على أن هذه الخطوة تعتبر هامة جداً لإسقاط خطوة الاحتلال في الاقتحام ورغبته في تمكين المستوطنين بشكل دراماتيكي من الأقصى لمدة أسبوعٍ كامل.
ولفت إلى أن ما نمر به الآن هي مرحلة “كسر عظم” فالجميع يعظّم ما عنده من عناصر وعوامل، مشيراً إلى أن عوامل الفلسطينيين موجودة في الميدان رغم كونهم عُزّل ومبعدين، وفي المقابل نجد أن الاحتلال بقواه الأمنية والعسكرية يكيد كيداً شديداً، مستغلاً ضعف وتهالك الأوقاف الأردنية عن القيام بأي دور وعن تمثيل أي قوة ردع في الميدان.
“الخداع” أسلوب الاحتلال الأول لتمرير مخططاته ..
وأوضح د. عمرو خلال حديثه لمعراج، بأن الاحتلال ينتهج أسلوب الخديعة والغدر الذي يعد أبرز شيمه، وهذا الأمر مبني على حقائق لامسناها على أرض وتجارب سابقة مع هذا الاحتلال، مشيراً إلى أن أبرز الشواهد على هذا الأمر ما فعله الاحتلال في الأقصى صباح عيد الأضحى عام 2019، بعد أن أعلن نتنياهو بأن لن يسمح للمستوطنين باقتحام الأقصى صبيحة العيد، وبعد ذلك بساعات قليلة انقضت عليهم قوات الاحتلال بأعداد كبيرة بالسلاح والعتاد وحدث الغدر والفجور والإجرام والاستخدام المفرط للقوة، الذي أدى لإصابات هائلة في صفوف لمصلين.
ودعا الباحث لتوخي الحذر فأسلوب الغدر والخديعة والالتواء سيكون أسلوباً أساسياً في تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين في وقائع الأحداث القادمة هذا العام، مشيراً إلى أنه أمر مؤكد أكثر من أي عامٍ سبق، فهم يدركون أن أسلوب بن غفير همجي وأسلوب سموترتش غبي لذلك نجد أن الشرطة الإسرائيلية تولت أمرها بنفسها، فهي لديها من الخبرة 75 عام فجميعها من شرطة وأمن واستخبارات وحرس حدود جميعهم أجهزة متمرسة على القتل والهروب من المسؤولية.
وأضاف: “لهذا السبب نجد أن شرطة الاحتلال وقواه الأمنية قد صمتت عن أمر الاعتكاف لأنها خططت بأن يكون “انتصاراً وهمياً” وتطبيقاً لخطةٍ مبرمجة ذات مراحل مدروسة، والغدر بها هو سيد الموقف وقد بدأ الآن العد التنازلي لتحقيق هذا الغدر في أفظع صوره”.