بقلم: أحمد أبو زهري
تحتل “مسيرة الأعلام” التي من المفترض أن تنظم في القدس يوم الأحد الموافق 29 مايو/أيار الجاري، درجة عالية من الأهمية وعلى الصعد كافة حتى أصبحت هي العنوان الأبرز في مقدمة باقي الأحداث في فلسطين، وذلك لما ينطوي على هذه المسيرة من مخاطر فرض السيادة على القدس والأقصى، وتغيير واقع المدينة المقدسة لصالح الاحتلال الإسرائيلي عبر التقسيم الزماني والمكاني وصولا لإحكام السيطرة الكاملة وطرد الفلسطينيين ومنعهم من دخولها، إذ يخطط هؤلاء المستوطنون المتطرفون لإحياء ما يسمى بيوم “توحيد القدس” من خلال تنفيذ اقتحام كبير للمسجد الأقصى بمسيرة تحمل الأعلام الإسرائيلية، خصوصا بعد فشلهم في تنظيم هذه المسيرة التي لم تصمد وهربت تحت تهديد صواريخ المقاومة العام الماضي حين اندلعت معركة سيف القدس.
ويعتبر ما يسمى يوم “توحيد القدس” عيدا يهوديا للاحتفال بذكرى السيطرة الكاملة على مدينة القدس، واحتلال الجزء الشرقي وذلك خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967، ويمارس الاحتلال الإسرائيلي خلال هذه المناسبة ومن خلال الجماعات المتطرفة (رقصة الأعلام) وهي الفقرة أو الاحتفالية الأبرز، وقد صعّدت جماعات الهيكل والمنظمات المتطرفة من تصريحاتها العدائية في الآونة الأخيرة ضد المسجد الأقصى، وبذلت هذه الجماعات المتطرفة جهودا غير عادية لحشد الآلاف للاشتراك في هذه المسيرة والمساهمة المباشرة في تنفيذ اقتحامات بأعداد كبيرة جدا للمسجد يتخلل ذلك: 1_رفع علم الاحتلال الإسرائيلي، 2_ غناء النشيد القومي، 3_ أداء الصلوات العلنية، 4_ المشاركة في مسيرة الأعلام عصر ذات اليوم.
ويظهر حرص الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ هذه المسيرة بعد حدوث تطورات هامة في القدس والأقصى لصالح الفلسطينيين وتحديدا المقاومة الفلسطينية، التي أثبتت أنها حاضرة بصور مختلفة وذلك من خلال رايات المقاومة، وهتافات المرابطين لها ولرموزها، فضلا عن رفع صور قيادات المقاومة في مختلف الأماكن داخل وفي محيط المسجد الأقصى ومدينة القدس، ومن قبل رفع الأعلام الفلسطينية، في مشهد أظهر قدرة الفلسطينيين على المواجهة والتحدي، وأثبت حضورهم في مواجهة قمع الاحتلال واعتداءات المستوطنين واقتحاماتهم المستمرة، الأمر الذي أشعر الاحتلال بالحرج الشديد، وأفقده صورة السيطرة على القدس والأقصى، وأظهره في صورة الخائف والمردوع أمام الفلسطينيين وأمام تحذيرات وتهديدات المقاومة وهذا بدوره زاد من حجم الضغط الداخلي على حكومة الاحتلال.
وترى فصائل المقاومة الفلسطينية أن إقامة هذه المسيرة بمكانة لعب بالنار وتفجير لكل الصواعق، وذلك من خلال تصريحات متصاعدة على لسان مختلف القيادات الوطنية فضلا عن بيانات التهديد التي حذرت العدو من مغبة ارتكاب هذه الحماقة، لأن المقاومة لن تسمح بالمساس بقدسية وسيادة المسجد الأقصى ويمكنها فعل الكثير لإفشال هذه المسيرة، وهذا أيضا ما تم إيصاله للوسطاء بأن الكرة الآن في ملعب الاحتلال، فإذا ما قرر الاستمرار في تنفيذ هذه المسيرة فإنه سيكون سببا مباشرا في اندلاع مواجهة كبيرة وغير مسبوقة، وأنه إذا ما تراجع عن إقامتها فإن ذلك سيؤدي لنزع فتيل التصعيد ومنع اندلاع هذه المواجهة وتجنيب المنطقة انفجارًا لا تحمد عقباه والذي يمكن أن يفرض نتائج ووقائع جديدة ليست في مصلحة الاحتلال أو الأطراف المعنية بالهدوء في المنطقة.
لذلك: فإن الفرصة ما زالت قائمة لاحتواء الموقف وعلى الوسطاء ممارسة أقصى درجة من الضغط على الاحتلال لإلغاء هذه المسيرة ومنع إقامتها لأنها تمثل “عنوان التصعيد” في المنطقة وربما تقود الاحتلال وحكومته المتطرفة للكارثة؛ لأن المواجهة هذه المرة لن تكون من غزة وحدها فكل الساحات ستدخل على خطة المواجهة، وربما تتوسع مساحة النيران لتشتعل جبهات أخرى في مواجهة الاحتلال، فالتهديدات لم تكن فقط من فصائل المقاومة في غزة بل من قوى المقاومة خارج فلسطين أيضا.
وعليه فإن هذه المسيرة لن تشكل طوق نجاة لحكومة “نفتالي بينيت” التي تقف على الحافة وعلى وشك الانهيار وإنما ستكون أكبر انتكاسة يتلقفها في عهده، وربما تكتب أي مواجهة محتملة “السطر الأخير” في عمر حكومته الهشة، وتجعله يتوسل مجددا لعودة الهدوء ومنع سقوط مئات بل آلاف الصواريخ على مختلف الأهداف داخل كيانه الزائل.