معراج – القدس
تعتبر خزانة (أو مكتبة) المسجد الأقصى واحدة من أعرق خزائن الكتب العامة في فلسطين، حيث تحتوي فهرستها على مجموعة متنوعة من المخطوطات الدينية مثل المصاحف والربعات، إضافة إلى العديد من الكتب التي تعود لفترتي المماليك والعثمانيين.
وتتضمن الخزانة أيضًا كتبًا في الأدب، الفقه على المذاهب الأربعة، التفسير، والحديث.
ومنذ تأسيسه، كان المسجد الأقصى مركزًا علميًا وثقافيًا يستقطب آلاف الطلاب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لدراسة العلوم، خاصة الدينية واللغوية، على يد علماء جعلوا من ساحاته ومصاطبه منابر لتعليم العلم ونشره.
موقع المكتبة وتاريخها والتسمية
تتموقع مكتبة المسجد الأقصى في الجهة الغربية للمسجد، بين المصلى القبلي والمتحف الإسلامي، ما يجعلها جزءًا أساسيًا من معالم المسجد التاريخية والعلمية.
تعود جذور مكتبة المسجد الأقصى إلى العصر الأيوبي، حيث مرّت بتطورات عدة عبر العصور وحملت تسميات مختلفة. في البداية، كانت تعرف باسم “خزانة المسجد الأقصى الشريف المبارك”، وكانت تحتوي على مخطوطات منذ العهد الأموي. ومن المحتمل أن المكتبة توسعت وتطورت في فترة العباسيين، الذين اشتهروا بتأسيس المكتبات وابتكار صناعة الورق، مما ساهم في ازدهار صناعة الكتب في تلك الحقبة.
ومع تزايد الكتب والمخطوطات في خزانة قبة الصخرة، ظهرت الحاجة إلى مسؤول يتولى الإشراف عليها، فتم تعيين قاضي القدس أمينًا على الخزانة لضمان حماية الكتب، ترميمها، وتنظيم إعارتها وجردها. وكان الناظر يعين نائبًا أو وكيلًا عنه في حال غيابه.
عُرفت بدار كتب المسجد الأقصى المبارك، حيث تغيرت مواقع مكتبة المسجد الأقصى عدة مرات خلال القرن العشرين، حيث انتقلت بين مباني مختلفة. في عام 1340هـ/1920م، تم تأسيس “المجلس الإسلامي الأعلى” في القدس، وكان من أبرز إنجازاته إنشاء “دار كتب المسجد الأقصى”.
افتتحت الدار في 2 أكتوبر/تشرين الأول 1922م (12 ربيع الأول 1341هـ) في القبة النحوية، التي كانت في السابق مدرسة للنحو والأدب، وتوجد في الطرف الجنوبي لسطح قبة الصخرة، والتي بناها الملك المعظم في عام 604هـ/1207م.
أنشئت دار كتب المسجد الأقصى بهدف جمع الكتب في مجالات الدين واللغة، وقد تم ذلك عبر وسائل متعددة مثل الشراء، الوقف، والإهداء. وقد تمكنت الدار من جمع العديد من المخطوطات القيمة، بما في ذلك ما تم جمعه من المسجدين الأقصى وقبة الصخرة، بالإضافة إلى المدارس الموجودة في الحرم القدسي الشريف.
سُميت أيضاً مكتبة المسجد الأقصى المبارك، كانت مقتنيات دار كتب المسجد الأقصى هي الأساس الذي بنيت عليه مجموعات المكتبة، التي تطورت لتصبح منارة علمية مشهورة. ولكن الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة شكلت عائقًا أمام استمرار المكتبة في أداء رسالتها، مما دفع إلى نقلها إلى موقع آخر بعد فترة قصيرة، فقدت خلالها بعض الكتب أثناء عملية الانتقال.
وفي عام 1396هـ/1976م، أعادت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس افتتاح المكتبة تحت اسم “مكتبة المسجد الأقصى المبارك”، في مقرها الجديد وهو مبنى المدرسة الأشرفية، بعد ترميمه بواسطة المهندس المقيم بلجنة إعمار المسجد الأقصى. ثم تم نقل محتويات المكتبة إلى هذا المبنى الجديد، وفي عام 1420هـ/2000م، جرى نقل المكتبة أخيرًا إلى مسجد النساء.
محتويات المكتبة التاريخية
حتى عام 2025، احتوت مكتبة المسجد الأقصى على أكثر من 120 ألف كتاب، تنوعت موضوعاتها بين العلوم الدينية، التصوف، اللغة العربية، التاريخ، الجغرافيا، السياسة، الأدب، وعلم الاجتماع. وقد تم تقسيم محتويات المكتبة إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
الأول: المكتبة العامة، التي تحتوي على نحو 110 آلاف كتاب في مختلف العلوم.
الثاني: مكتبة الأطفال، التي تضم أكثر من 9 آلاف كتاب.
الثالث: مكتبة المخطوطات، التي تحتوي على 1143 مخطوطًا، معظمها يعود إلى الفترة العثمانية، من بينها عدد كبير من المصاحف. حوالي 80% من هذه المخطوطات نسخ في الفترة العثمانية، وبعضها نسخ في إسطنبول.
وتشمل مصادر مقتنيات المكتبة من المخطوطات:
- مخطوطات دار كتب المسجد الأقصى.
- مخطوطات الشيخ خليل الخالدي.
- مخطوطات الشيخ محمد الخليلي.
- مخطوطات أخرى تم إهداؤها من بعض المكتبات الأسرية المقدسية ومكتبات خاصة في القدس.
تكشف الوثائق والمراجع التاريخية أن أقدم مخطوط اقتنته مكتبة المسجد الأقصى يعود إلى القرن السادس الهجري، وهو من أعمال الخطيب البغدادي المتوفى عام 463 هـ (1071 ميلادي).
وفي إطار تنظيم المخطوطات، تم تكليف الأستاذ خضر سلامة -أمين المكتبة الأسبق- بإعداد فهارس لها. وقد أصدر أربعة فهارس في فترات متتالية، بلغ مجموع ما ورد فيها 1155 مخطوطًا. صدر أول فهرس عن دائرة الأوقاف الإسلامية في عام 1980، وتم إعادة طباعته في 1983. وفي نفس العام، صدر الفهرس الثالث عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، بينما صدر الفهرس الرابع عن مؤسسة الفرقان في لندن.
وتشير الإحصاءات إلى أنَّ عدد الكتب المطبوعة الحديثة بلغ إلى حدود 2025 أكثر من 160 ألف كتاب بحسب الأمين السَّابق للمكتبة الشَّيخ حامد أبو طير.
كما تحتوي مكتبة المسجد الأقصى على آلاف الكتب والمجلات المطبوعة في بداية القرن العشرين، وهي طبعات نادرة، بما في ذلك قسم مخصص للكتب باللغة التركية.
كما تضم المكتبة مجموعة قيّمة من الصحف والمجلات التي كانت تصدر في فلسطين منذ أواخر العصر العثماني وحتى نهاية الانتداب البريطاني. ويبلغ عدد الصحف المقتناة في المكتبة 22 صحيفة، يعود تاريخ بعضها إلى عام 1923.
من أبرز الصحف الموجودة صحيفة “فلسطين” التي كان يملكها عيسى داود، وكانت تصدر في يافا. تمتلك المكتبة مجموعة كاملة منها، تبدأ من العدد الأول الذي صدر في فبراير/شباط 1923م وحتى العدد الأخير في مارس/آذار 1937م.
أما بالنسبة للمجلات، فقد أفاد مدير المكتبة أن عددها غير دقيق، لكنه يقدّر بحوالي 50 مجلة، جميعها مجلات تراثية إسلامية وأدبية.
خدمات مكتبة المسجد الأقصى
- خدمات الإعارة: متوفرة خاصة للمشتركين في أقسام المكتبة.
- البحث الإلكتروني: توفر المكتبة خدمة البحث عبر الفهرس الإلكتروني للمساعدة في الوصول إلى المواد بسهولة.
- البحث اليدوي: يمكن للزوار البحث عن الكتب عبر موظفي المكتبة والمتطوعين.
- خدمات حاسوبية: تحتوي المكتبة على 14 جهاز حاسوب متاحة للزوار والمستخدمين، بالإضافة إلى ماكينات تصوير وطابعات بالأبيض والأسود وأخرى ملونة.
- البحث في قواعد البيانات: إمكانية البحث في قواعد البيانات واستخدام الإنترنت اللاسلكي المجاني لزوار المكتبة.
- التصوير والطباعة: توفر خدمة تصوير الأبحاث العلمية والمخطوطات وفق أعلى المواصفات.
- التعاون مع المكتبات: المكتبة تتواصل مع المكتبات والمراكز العلمية المهتمة بالمخطوطات.
- مساعدة طلبة العلم: تقدم المساعدة لطلبة العلم بتنسيق مسبق للحصول على بعض المخطوطات وإرشادهم في ضبط النصوص.