تشهد المدينة المقدسة على مدار تاريخها استهدافًا مباشرًا من حكومات الاحتلال المتعاقبة، فكل حكومة صهيونية تأتي تحاول السيطرة الكاملة على مدينة القدس، لكن دون جدوى.
أطماع الاحتلال في القدس ناتجة عن أهميتها التاريخية والدينية على مدار العصور، وهو ما جعله يسعى بكل جهده لتمرير روايته التوراتية المزعومة، والتي يدعي من خلالها أن المسجد الأقصى المبارك قد بني على أنقاض ما يسميه “هيكل سليمان المزعوم”.
وفي سبيل تحقيق روايته المزعومة فإنه يسعى لتكميم الأفواه، ومنعها من كشف مخططاته وجرائمه المتواصلة، بحق مدينة القدس وأهلها، ما جعل محاكمه تصدر سلسلة من القرارات الجائرة بحق المقدسيين خاصة الرموز والمرجعيات والشخصيات الاعتبارية.
وقد كشف التقرير السنوي لنشرة مرصاد الصادرة عن شبكة معراج المقدسية إصدار محاكم الاحتلال 501 قرار جائر بحق المقدسيين خلال عام 2022 الماضي، فيما ارتفعت حصيلة تلك القرارات في عام 2023 بشكل ملحوظ.
صراع مستمر
نائب رئيس أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات، بين في حديث خاص لـ “معراج” حالة الصراع المستمرة مع الاحتلال منذ احتلاله لمدينة القدس، مؤكدًا أنها تطورت يومًا بعد يوم، وقد وصلت إلى ذروتها بانتهاك المسجد الأقصى المبارك، وهدم البيوت وملاحقة المرجعيات، معزيًا ذلك إلى الدور الكبير الذي تقوم به حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، والتي تشارك فيها عصابات المستوطنين.
واتبع الاحتلال في القدس سياسة التدريج بالانتهاكات، في محاولة لتمرير مخططاته دون ضجيج إعلامي وصدامات مع الدول المجاورة، إلا أن الحكومة الحالية شكلت نقلة نوعية في حالة الصراع حتى وصل إلى ذروته، بفرض التقسيم الزماني، وسعيها الحثيث حاليا لتمرير مخطط التقسيم المكاني للمسجد المبارك.
وقد أنشأت ما يسمى بـ “كنيس جوهرة إسرائيل” التهويدي والذي يمتلك قبة تشبه قبة الصخرة المشرفة، ومكون من أربع طوابق، ويقع في حارة الشرف بالبلدة القديمة على بعد أمتار قليلة من المسجد الأقصى المبارك، ويحجب بهيكله رؤية قبة الصخرة المشرفة، في محاولة جريئة لتغيير معالم البلدة القديمة الإسلامية، وإضفاء طابع يهودي إليها.
تضحيات
وأمام كل تلك الانتهاكات الخطيرة، والتمادي الواضح من حكومة الاحتلال الحالية التي يقودها بنيامين نتنياهو ويحركها الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير، كان لا بد من تضحيات كبيرة، وتصدٍ بطولي لإفشال مخططات الاحتلال في المدينة المباركة.
وقد وقف المقدسيون وفي مقدمتهم الرموز والمرجعيات سدًا منيعًا أمام تغول الاحتلال وجرائمه الاستيطانية في القدس، فدافعوا بأنفسهم وأصواتهم عن مدينتهم المباركة، ولم يتركوا منبرًا بإمكانهم إيصال رسالتهم إلا وتحدثوا فيه، ما سبب ضغطًا كبيرًا على الاحتلال، دفعه لشن حملات عقابية انتقامية من هذه الرموز، ترجمها بقرارات اعتقال وملاحقة وإبعاد ومنع من السفر، في محاولة للنيل من عزائمهم، كان آخرها قرار منع الشيخ عكرمة صبري من السفر لمدة شهر قابل للتجديد بعد عودته من جولة خارجية، إلا أنهم فشلوا أمام صمود المقدسيين وحبهم لمدينتهم.
وهو ما أكده بكيرات قائلا: “القدس اليوم تشهد مرحلة جديدة من الصراع مع المحتل فهي اليوم تحتاج إلى تضحيات من كل مقدسي وخاصة من الرموز والمرجعيات المقدسية، فدائمًا بالتضحية تكون النتائج، والرموز وعلى رأسهم الشيخ عكرمة صبري، هم أول المضحين وكله فداء للمسجد الأقصى المبارك”.
وتابع موضحًا أن “ما يقوم به المحتل من إجراءات عقابية هي سياسة واضحة تهدف إلى تفريغ المدينة خاصة من مرجعياتها، الذين يشكلون ذعرًا للاحتلال، لأنهم ينطقون باسم القدس ويكشفون انتهاكاته وينقلون جرائمه للعالم”.
صمود وثبات
ورغم الانتهاكات الخطيرة التي طالت المقدسيين إلا أنهم أثبتوا أنهم أشد قوة وأكثر صبرا أمام جرائم الاحتلال المتواصلة بحقهم.
فرغم الاعتقال والملاحقة الأمنية والضرائب الباهظة، والهدم والترويع، إلا أنهم يؤكدون تمسكهم بأرضهم، وعدم تركها للاحتلال.
وقد ختم الشيخ بكيرات حديثه برسالة صريحة للاحتلال تملأها العزة والتحدي من خلال “معراج” قال فيها: “نقول للمحتل لا يمكن أن تهزمنا ونحن الذين نبتنا على صخرة بيت المقدس، ونبتنا كالصبر على حدود تلك القرى والمدن التي هجرت، نبتنا ولا زالت جذورنا باقية، والنصر سيأتي -بإذن الله- بعد التضحيات.